تغريدة البجعة

ليلى إبراهيم شلبي
ليلى إبراهيم شلبي

آخر تحديث: الجمعة 30 مارس 2018 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

ليس أسهل على الإنسان من إسداء النصيحة!.. بالفعل هذا ما أستشعره دائما كلما أمسكت بقلمى لأكتب المطلوب منى دائما: إسداء النصيحة للآخرين بشأن الصحة والسعادة. أسألى نفسى دائما عن حجم الصدق الحقيقى فينما أكتب والذى أقيسه دائما بما ينطبق علىَّ أنا شخصيا كإنسان فى أحواله المختلفة.

فى جمع من الأصدقاء طُلب منى أن أتحدث عن كيف يقاوم الإنسان مشاعر الكآبة التى تداهمه، خاصة فى خريف العمر، وكيف تتغلب على متاعب الذاكرة. لا أنكر أنه أحد الموضوعات التى قتلتها بحثا وفقا للتعبير المتداول. لا أكف عن القراءة فيه ومطالعة ما هو جديد بشأنه. إذن فمادة الحديث متاحة لكن الواقع أنه أحد الموضوعات التى يمكن وصفها بالسهل الممتنع. من السهل أن تبدأ الحديث بأن لكل سن جماله وأن كل مرحلة من العمر تقودك إلى تجارب مختلفة وأن الحكمة تاج يضعه الزمن على رأس الإنسان، من السهل أن تبدأ بالملامح البراقة لكن هل يمكنك الاستمرار إذا ما كنت بالفعل تود إسداء نصيحة مخلصة تستقر فى الوجدان وتمس القلب والعقل معا؟.

التقدم فى العمر لا يخضع لمقاييس ثابتة ولا جدول زمنى. تلك حقيقية أؤمن بها، فهناك عوامل عدة تتداخل، منها الجينات وأسلوب حياة الإنسان ومدى تأثره بالصدمات والضغوط النفسية المختلفة ثم الأمراض التى يعانى منها وعلاجها إلى اختلاف العوامل الخارجية وما أكثرها.

ليس من الطبيعى أن نكتسب الحكمة دون بعض التجاعيد، كما أن التقدم فى العمر لا يعنى بالضرورة التراجع وانحسار البهجة، إنما يعنى القدرة على الاختيار، فبلاشك مع التقدم فى العمر يمكن للإنسان أن يتعفف عن أداء ما هو مجبر على أدائه ليواصل الحياة ليختار ما يجب أن يحياه.

ما أردت أن أقوله بكل الصدق إن الإنسان فى تلك المرحلة من العمر إنما يحصد بالفعل ما زرعه خلال مراحل سابقة، وإن ملامحه يشكلها فى أجمل صورها الرضا عما فعل والامتنان لمن حوله.
كلما زاد امتنان الإنسان لمن حوله اتسعت الدائرة وبقى الإنسان متصلا بمن هم حوله فى صيغة من الود والرحمة والاحترام وتلك مفردات أراها تضمن للإنسان تقدما فى العمر فى كرامة يستحقها ويحتاجها.

يحضرنى تشبيه بديع للدكتور زكى نجيب محمود عن أيام الخريف التى وصفها بتغريدة البجعة: حينما تشعر البجعة بدنو الأكل فإنها تلجأ وحيدة إلى ركن قصىٍّ لتبدأ أنشودة عذبة تضع فيها كل ما تمتلك من مفردات ونغمات شجية تريد.

إذًا بالفعل لا أحد يملك لأحد نصيحة إنما هى تجارب شخصية نستعرضها معا فى ود وصفاء لا يشوبه تنازع على مغنم أو تسابق للحصول على مكسب. إنما الصدق الذى نجرؤ على البوح به والامتنان الذى نتناوله مع الآخرين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved