تاريخ الصيد الجائر فى إفريقيا

قضايا إفريقية
قضايا إفريقية

آخر تحديث: السبت 30 مارس 2019 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة «The New York Review of Books» مقالا للكاتب «راشيل أسبدين» تناول فيه الحديث عن رحلته فى الحياة البرية فى جنوب إفريقيا. فما رآه الكاتب هناك فى الواقع اختلف مع ما كان لديه من أفكار حول الطبيعة البرية. وتكلم الكاتب عن تاريخ الصيد الجائر فى إفريقيا، وكيف كان الاستعمار الأوروبى هو السبب فى خلق فكرة الصيد الجائر والذى أدى بعد ذلك إلى انقراض بعض أنواع الحيوانات.

يقدم لنا راشيل وصفه لأول رحلة سفارى له يكون هو قائدها فى جنوب إفريقيا. فكان يتتبع فى رحلته الكلب البرى الإفريقى الذى يعد واحدا من أكثر الحيوانات المعرضة للخطر. فشكلت هذه الرحلة لراشيل واحدة من أهم اللحظات المبهجة فى حياته، وخاصة عندما اقترب بسيارته من قطيع من الكلاب البرية لدرجة أنه كاد يستطيع لمس فرائها. فكان راشيل فى رحلة تدريبية له ليصبح مرشدا لرحلات السفارى فى محمية طبيعية خاصة فى شمال دولة جنوب إفريقيا. فالمكان كان به فقط الغابات والتربة الحمراء ومجارى الأنهار الجافة والسدود والبحيرات الصناعية، فكانت موطنا للحياة البرية للكثير من فصائل الحيوانات والنباتات. فهى الحياة التى لطالما كان يشاهدها على «ناشيونال جيوغرافيك» و «بى بى سي» ويحلم بها.

وما كان يهدد هذا النقاء هو الصيد الجائر. وعلم راشيل من رئيس المحمية أن وزن قرن وحيد القرن يساوى أكثر من الألماس. من داخل المحمية، النظر إلى الموضوع كان سهلا. فهناك الأشخاص الأشرار الذين يحاولون تدمير الطبيعة مثل الصيادين ومسئولى الحكومات الفاسدين إلى جانب مستهلكى قرون وحيد القرن فى الصين وفيتنام. والأشخاص الطيبون مثل حراس الحديقة والمتخصصين فى مكافحة الصيد الجائر ومرشدى الحياة البرية.

وعندما وصل راشيل إلى جوهانسبرج، كان هذا فى خضم الاحتجاجات على الرئيس جاكوب زوما واتهامات الفساد التى كانت موجهة إليه. وكانت المحكمة العليا قد حكمت بأن يواجه الرئيس زوما تهما بالفساد وغسيل الأموال. وكان هناك تعثر فى الحالة الاقتصادية، فنسبة البطالة وصلت إلى ما يقرب من 30% وكانت نسبة البطالة بين الشباب 50%. والسياحة والسفر التى تساهم بنسبة 10% من الناتج القومى الإجمالى تركز على ما يعد محبوبا من قبل الجميع: الحياة الطبيعية والبرية، وهذا ما رآه راشيل على الأموال من رسومات الأسود ووحيد القرن والفيل والفهد.

قابل راشيل العديد من خبراء الطبيعة والذى كان معظمهم من الرجال البيض وخاصة فى المراكز القيادية. وفى أول يوم لراشيل عرف أن هذا المعسكر هو ملك اقطاعى لشخص يدعى لمارك، وهو كان مسئولا عنهم إلى جانب أنه الشخص الوحيد الذى كان مسلحا. وتكلم راشيل عن مشكلة حدثت بين واحدة من الثلاث فتيات – التى كانت سمراء – وبين مارك، والذى قام فى ذلك الحين باستخدام ورقة الاثنية والرجل الأبيض فى المشكلة واعتبر أن الفتاة السوداء بإبدائها بعض الملاحظات عن الطريقة التى يجب أن يعاملوا، مثل ذلك اتهام على أنه رجل أبيض عنصرى، وهو ما استغرب له الكاتب، فبدا أن هؤلاء الرجال يرون أنفسهم ضحية مؤامرة سياسية، فبدوا دفاعيين، غافلين عما لديهم من قوة على الآخرين. فما تخيله راشيل عن الحياة البرية لم يكن موجودا، والواقع كان من الصعب تجاهله.

***
وفكرة الصيد الجائر جاءت مع الاستعمار. فعندما وصل الأوروبيون إلى إفريقيا، كان هناك وفرة غير طبيعية فى الحياة البرية على عكس القارة الأوروبية الحضرية. وفى الأسبوع الذى وصل فيه جان فان ريبيك لتأسيس مستوطنة شركة الهند الشرقية الهولندية فى كيب فى عام 1652، سجل أن رجاله قد قتلوا فرسا نهريا ساوى وزنه اثنان من الثيران. فى السنوات التى تلت ذلك، زادت المذابح مع تزايد أعداد المستوطنين. منطقة الترنسفال شمال شرق جنوب إفريقيا، والتى تضم الآن المحمية التى يتدرب فيها راشيل، قامت فى سنة 1855 بتصدير مائة طن من العاج. وخلال زيارة الأمير ألفريد ابن الملكة فيكتوريا البالغ من العمر 16 سنة، تم تقديم له ما يقرب من ثلاثة آلاف من الحيوانات ليقوم باصطيادها فى حفلة ترحيب له. وبعد مضى عقدين من الزمن اختفى حمار الكوادا الوحشى من الحياة البرية، وفى 1883 مات آخر واحد فى حديقة أمستردام. وبحلول نهاية القرن، كان يظن أن وحيد القرن انقرض، إلى أن تم العثور على عشرين منهم فى الأدغال العميقة فى شرق البلاد.

فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، كان ينظر إلى لعبة الصيد على أنها وسيلة لتقوية عود الرجل الأوروبى مخافة عليه من أن يصبح «ناعما» بسبب رفاهية الحياة الأوروبية. فكانت الطبيعة فى إفريقيا واستعباد الرجل الأسود لتوفير وسائل الراحة تقوم بإيقاظ الغرائز البدائية التى ضاعت فى الحياة المدنية الحديثة. واعتبر الصيد حلا سحريا لكل شاب أوروبى يعانى من مشاكل عاطفية، فيخرج إلى إفريقيا ويمارس الصيد.

وتعتبر رحلة الصيد الذى قام بها ثيودور روزفلت فى 1909 من مومباسا إلى الخرطوم من أكبر رحلات الصيد على الإطلاق. وقام فى رحلته بجمع أكثر من أحد عشر ألف عينة لمتحف سميثونيان الجديد للتاريخ الطبيعى وخلقت حالة من الجنون بين أغنياء أمريكا لممارسة الصيد. وبعض مضى قرن من الزمان على صور روزفلت مع جثة وحيد القرن، نجد صور طبيب الأسنان والتر بالمر وهو مبتسم ومتباهٍ بنفسه مع جثة سيسيل الأسد الملطخة بالدماء وأبناء الرئيس ترامب دونالد جونيور وإريك مع الجوائز التى شملت ذيل الفيل ونمر ميت.

***
وفى الوقت نفسه، كانت الدول الغربية تدعو للحفاظ على الحياة البرية، وتم إنشاء أول متنزه قومى فى الولايات المتحدة عام 1872، وتبعتها الدول الأخرى (روزفلت نفسه أسس 150 غابة وطنية وخمس حدائق وطنية). فى 1903، قام مجموعة من الأثرياء البريطانيين والذى تم إطلاق عليهم اسم «الجزارين التائبين»، بإنشاء جمعية الحفاظ على الحياة البرية للإمبراطورية البريطانية. وقالوا إن الحياة البرية تتعرض للخطر بسبب جهل السكان المحليين، ليصبح الرجل الأبيض هو الوحيد القادر على حمايتها.

فى جنوب إفريقيا، تم افتتاح متنزه كروجر الوطنى ــ تمت تسميته على اسم الزعيم الأفريكانى بول كروجر ــ فى عام 1926، وكان رمز للهوية الوطنية الجديدة تم بناؤها مع تراجع النفوذ البريطانى وتولى الأفريكانيون (الجنوب إفريقيين البيض) السلطة السياسية والثقافية. وكان الغرض منه الحفاظ على الحياة البرية بالطريقة التى رآها المستوطنون البيض. وتم استبعاد الأفارقة السود من الحديقة نفسها (فيما عدا العمالة ذات الأجر المنخفض). فقط فى سنة 1993 تم السماح للسائحين السود بالبقاء فى الحديقة على مدار الليل، وفى سنة 2010 ــ 2011 أقل من 9% من الزائرين كانوا زادت أصول إفريقية، الربط بين التاريخ والحاضر سيظل من السهل على البعض أن يتجاهله.

ومع الوقت، علم راشيل أن المحمية التى يتدرب فيها كانت مزرعة ماشية فى زمن الفصل العنصرى، ولقد قام مالكوها بتحويلها إلى مكان لممارسة الصيد فى تسعينيات القرن الماضى عندما انتشر مرض الحمى القلاعية بين المواشى وجعلها صناعة غير مربحة، إلى جانب تغيير القانون ليسمح بملكية الأراضى، وبالتالى الاستفادة من الحياة البرية. أما الآن، فهذه الأرض كانت تدار بعناية مثل أى حديقة فى لندن. وهذا هو الحال بالنسبة إلى الكثير من المناطق المحمية فى جنوب إفريقيا، وبالنسبة للبعض هذه الأراضى لا تعد «برية بما يكفى»، بسبب تدخل الإنسان فيها. ولكن على كلٍ، إظهار الحياة البرية الطبيعية هو الوهم الذى تهدف صناعة السفارى إلى إعادة إنشائه.
***
ويتساءل الكاتب لماذا يشعر من يقومون بتدريبهم بأنهم ضحية، ووجد أن العامل الاقتصادى يمثل جزءا من الإجابة. ففى حين أن المرشدين يعملون على ترفيه الزائرين، إلا أن معظمهم يحصل على أجر صغير. فليلة واحدة فى أحد فنادق السفارى تكلف 2000 دولار، ولكن أجور المرشدين قد تكون أقل من ربع هذا الرقم إلى جانب ما يتم توفيره لهم من مكان إقامة غير مريح.

ويقول راشيل إن حياته فى المحمية أبعدته عن الكثير من المشاكل المزعجة لكونه شخصا أبيض فى جنوب إفريقيا بشكل عام، وأفريكانر بشكل خاص. فعند تجاوز أسوار المحمية، تختفى كل التفضيلات التى من الممكن أن يحصل عليها داخل المحمية، إلى جانب وجود سياسات التمكين الاقتصادى للسود التى بموجبها أصبح المواطن الأسود فى جنوب إفريقيا مفضل لمعظم فرص العمل والتوظيف. لقد لعبت الأنماط التاريخية دورا فى تشكيل صناعة السفارى من خلال الأنماط التاريخية لملكية الأرض والخبرات عبر الزمن، وفى المستويات العليا، يواجه الرجل الأبيض منافسة قليلة.

ويعبر الكاتب عما كان يشعر به من مأزق نفسى كونه من الأقلية البيضاء فى دولة كانت تطبق الفصل العنصرى. وقدم مضيف قناة فوكس نيوز تاكر كارلسون بتقديم تقرير غير صحيح على أن حكومة جنوب إفريقيا بدأت فى الاستيلاء على بعض ممتلكات مواطنيها بناء على لون البشرة. وغرد دونالد ترامب بأنه كلف وزير الخارجية مايك بومبيو بإجراء تحقيق حول القتل واسع النطاق للمزارعين البيض فى جنوب إفريقيا. وعلى الرغم من أن تقارير الشرطة فى جنوب إفريقيا أشارت إلى أنه من ضمن 20.336 حالة قتل فى 2017ــ 2018، 46 كانوا من البيض، وبالتالى يحاولون خلق مزاعم على أن هناك عمليات إبادة جماعية فى البلد.

ويقول راشيل فى الأخير إنه لم يجد الحياة البرية التى كان يبحث عنها فى جنوب إفريقيا أو عملية الإصلاح التى اعتقد أنها ستنطلق منها، ولكنه وجد شيئا مزعجا. ما كان يطمح إليه وجده فقط عندما كان يتتبع الكلاب البرية أو عند سماع جرس إنذار باقتراب نمر باتجاههم قبل بزوغ الفجر. وبالتالى بدأ الكاتب بالتخطيط مع زميلة له بأن يجدوا طريقة لمساعدة الآخرين بالاستمتاع بتجربتهم. فالأمور السياسية بدأت تتغير خلف أسوار المحميات، وهذا سيطول بالفعل المحميات الطبيعية.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغني

النص الأصلى:
https://bit.ly/2HNWrLx

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved