التعليم ما بعد كورونا...

ايمان رسلان
ايمان رسلان

آخر تحديث: الإثنين 30 مارس 2020 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

انتهى العام الدراسى فعليًا، والحمد لله نجح طلاب سنوات ما قبل الثانوية العامة والدبلوم الفنى بناءً على فيديو ليل الخميس الماضى من وزير التعليم..!
ولكن يبقى السؤال الذى طرحته الأزمة العالمية لكورونا حول المستقبل فهل سيكون تعليمنا بعد كورونا كما هو الحال الآن؟
هذا سؤال ملح عالميا الآن ولكنه يصبح خيار الضرورة الذى لا بديل عنه فى مصر.
ويبدو أن أعراض المرض التعليمى أو مستقبله تبدو متشابهة عند الجميع وإن المستقبل هو لإدخال التكنولوجيا كمكون ضرورى بالتعليم فذلك أصبح لا خلاف عليه ولكن كيف يتم ذلك؟ وبما يحقق صالح تعليمنا ومجتمعنا بأكمله.
ومن هنا تأتى ضرورة المصارحة والتقويم لما حدث خلال السنوات الماضية فى قضية تكنولوجيا التعليم لأنه بدون هذه المصارحة سيكون علاج خاطئ آخر قد لا يحتمله المستقبل!
***
وسأبدأ بالتعليم قبل الجامعى الذى يضم أكثر من ٢٠ مليونًا من التلاميذ أى خمس سكان مصر الآن وسأُخضع تجربة إدخال التكنولوجيا الجديدة وعنوانها (التابلت تحديدا) لعمل الأشعة الفاحصة التشخيصية.
.. أولًا اكتشفنا تعثر لفكرة عمل واستخدام التابلت فى الأزمة الحالية! هذا ليس عيبًا أو تجنيًا على منتج تكنولوجى وعصرى مهم أو هجوما على وزير التعليم بقدر ما هو قراءة للواقع.
لقد تعثر أو فشل التابلت لأن الهدف من فكرة استيراده كان مجرد شكل فقط لتحديث ولم يرتبط به تغير للمضمون فى أحوال المعلمين والمتعلمين وبنية التعليم نفسه بمعنى أنه غابت دراسة الجدوى والهدف من فائدة الجهاز الذى تحول لبديل شكلى للكتاب المقرر فتضمن فيديوهات وتم نسخ المناهج نفسها على الجهاز أى أننا استبدلنا الكتاب بشاشة! ولم يتغير شىء من المناهج على الإطلاق والآن كثير من المواقع بل جوجل نفسه يتضمن تلك المعلومات! بينما واقع التعليم المصرى يقول إننا نحتاج إلى تحديث وتطوير البنية الفكرية والفلسفية والعلمية والتحتية تحديدا التى تحكم الهدف من التعلم نفسه؟
فالمناهج وهى العصب لأى تغير حقيقى فى بنية التعليم أو التحديث لم يحدث بها أى جديد وعلى مدار عقود وحتى هذه اللحظة للسنوات التى دخل بها التابلت. إذن نحن فقط غيرنا شكل العروسة ليلة الفرح! وبالتالى تحول دخول التابلت والذى حمل خزانة الدولة مشكورة بالفعل مليارات الجنيهات إلى جهاز من أجل أن يمتحن عليه الطلاب فقط لمدة ساعتين يوميا لمدة أسبوع مرتين فى السنة ثم يعاد تخزينه بعد ذلك! لماذا حدث ذلك الأمر؟
حدث لأن المنطلق نفسه كان خاطئًا وليس عيبا فى دخول التكنولوجيا إلى التعليم وهذا الاختيار الخاطئ لنقطة التعارف والعلاقة مع التكنولوجيا نتج عنه محدودية أفق وأخطاء جمة فى التطبيق (تحتاج مقال منفرد!...).
صاحب تلك الخطوة وجود حالة نهم لكلمة التابلت وأصبح من أجله يتم وضع التعليمات الوزارية وتغييرها باستمرار فى المساء! وكان أخطرها تحويل امتحانات صفوف نقل عادية مثل الأول والثانى الثانوى التى تعقده كل مدرسة إلى امتحان قومى عام مثل الثانوية العامة... وحدث شىء غريب متلازم لذلك أيضا! هو أننا استوردنا شركة إنجليزية من أجل الامتحانات والأسئلة مع أنه لدينا منذ عام ١٩٩٠ مركز قومى لامتحانات من أجل نفس الفكرة وهى إنشاء ودعم فكرة بنوك الأسئلة تحديدا وكان من نتيجة هذا التطبيق على أرض الواقع العملى أن انفض الطلاب من مدارس الثانوى الحكومية وفرغت المدارس أسوة بالثانوية العامة وهكذا يتم إعداد طلابنا للحفظ والامتحان حتى من المنزل!
***
وهناك تفاصيل أخرى تخص التصحيح واحتساب النتيجة بالألوان بدلًا من الدرجات!
المفارقة الأخرى التى حدثت هى فى زيادة الدروس الخصوصية وانتشار السنترز وانتقالها إلى سنوات النقل وبقوة أكثر من مرحلة قبل التابلت لأننا ببساطة حولنا الطلاب إلى كائنات نزيد حشوها سواء كانت بفيديو أو غيره وحولنا سنوات النقل العادية إلى شهادة عامة مع أن الحل الأفضل الذى كان يلائم الواقع المصرى وبنفس المضمون والأجدى والأكثر فاعلية هو القنوات التعليمية التليفزيونية (كانت موجودة لكل مرحلة دراسية) والتى أهملتها الوزارة منذ سنوات طوال وأهملت تطويرها تمامًا حتى ماتت إكلينيكيا والقنوات التعليمية أثبتت فى الأزمة الحالية أنها ضرورة قومية لأنها تصل للجميع بدون تكلفة تذكر عكس التابلت الذى يضغط استخدامه منزليًا بكثافة على الشبكة العامة التى تستخدم لأغراض تخص الآن الكثير من الأعمال الأخرى ففائدة القنوات التليفزيونية أنها تدخل كل منزل به جهاز تليفزيون ودش... وبالتالى القنوات هى الأجدى والأنفع فى الاهتمام والتطوير ودخول المنصات الإلكترونية لها طالما تعليمنا مناهجه نظرية.
ويضاف إلى ذلك فى ملف التعليم وما كشفت عنه أيضا أرقام الوزارة هو العجز الذى وصل إلى ٣٢٠ ألف مدرس أى أكثر من ثلث ما نحتاجه الآن وليس المستقبل وهى نسبة تهدد مسار التعليم المصرى كله بالخطر لأن حتى التكنولوجيا تحتاج إلى معلم وحينما قررت وزارة التعليم حل الأزمة فتحت باب التبرع بالتدريس؟! وكذلك طلب مدرسين قطاعى بمرتب ألف جنيه ولمدة شهريين فقط!.. مع أن العملية التعليمية أساسها وجوهرها المعلم الإنسان بالذات للتواصل فى مراحل التكوين الأولى.
.. إن إهمال أوضاع المدرسين وأعدادهم الجيد فى كليات التربية التى ألغى تعيين خريجيها وأنتج العجز الحالى بجانب الضعف الشديد فى رواتبهم فنشرت فيروس السنترز والدروس الخصوصية حتى تمكن من جسد التعليم المصرى وعلاجها ليس سهلا ولن يكون إلا بعلاج الأسباب التى أدت إليها وليس فقط استيراد التابلت، يضاف إلى ذلك أن محاولات البدء فى إصلاح المناهج من الحضانة وحتى الثانى الابتدائى وهى محاولات محمودة بشرط أن يكون لها هدف وهو تحديث المجتمع وليس مجرد تغيير شكلى آخر فمن غير المفهوم بل والمقبول أن تضمن المناهج الجديدة للأطفال صور متناقضة للمرأة وهى لا تغطى رأسها فى مناهج العربى والحساب بينما فى منهج الدين لنفس المرأة تغطى رأسها داخل المنزل!
أما الضلع الأخير فى التعليم وهو نقص المبانى المدرسية وما يقال عن تكلفتها يحتاج فتح باب الاجتهاد من المهندسين لخفض تكلفة الفصل الواحد (أربع حيطان) عن نصف مليون جنيه كما تقول الوزارة!
عفوا عن التفاصيل الكثيرة والمرهقة ولكن الشيطان يكمن دائما فى التفاصيل.
***
فلقد كشفت أزمة كورونا وهى أزمة عالمية عن أهمية التكنولوجيا والتعليم عن بعد والتابلت جزء من التكنولوجيا مربوط بأشياء أخرى مثل النت مثلا ولا يصلح منفردًا فى مراحل التعليم قبل الجامعى فى بلد معدل الفقر به مرتفع للغاية (٣٢٪) ولا تملك الدولة توفيره لمرحلة الثانوى «عام وفنى» (لم يتسلمه طلاب الفنى!) بجانب أنه خطأ تربوى ولا يعمل به عالميا فى المراحل الأولى.
ورغم كل ذلك لا نملك إلا التفاؤل الآن وبإمكانية تصحيح المسار خاصة إذا وضعنا نصب أعيننا أن مصر تمتلك ميزة نسبية هى زيادة السكان (١٠٠ مليون نسمة) وأن ٣٥٪ منهم فى سن الطفولة والشباب وهى قوة ضاربة إذا أحسن إعدادها بالتعليم الجيد للجميع. فيمكن أن نصبح قوى عظمى بعلمائها فى المستقبل وأن نحقق التنمية والاعتماد على النفس فى الداخل وهى النتيجة الأولى التى كشفت عنها أزمة كورونا ولا بديل عن تحديث التعليم الجيد للجميع وفق رؤية استراتيجية وطنية حقيقية وفتح الحوار مع المتخصصين ويقوم بذلك الحوار والخطة مجلس قومى من المفكرين والعلماء والوزير (أى وزير للتعليم) يصبح عضوا تنفيذيا به وليس نبيا يدعو لدين جديد مع كل تغيير وزارى!
فكما أكدت الأزمة الحالية أهمية الطب والعلاج داخليًا وأننا ندفع ثمن خطط تعليمية ومنها تقليص أعداد طلاب الطب والأساتذة وضعف مرتباتهم حتى وصل العجز الحكومى من الأطباء إلى ٥٠٪ وشكلت الحكومة قبل الأزمة الحالية (لجنة قومية لحل المشكلة) التى نتجت أصلا من سوء خطط تعليمية وسياسية فى الماضى، لذلك فالإصلاح والإنفاق حتمى لضمان استمرارية الوطن حكاما ومحكومين!
ورصف العقول بالتعليم الجيد الآن يعتبر من فقه الضرورة أيضا للاقتصاد القومى، ومن خلال خطط ممكنة التنفيذ بما فيها توفير المبانى (بقترح استخدام الجوامع الكثيرة والمغلقة فى الفترة الصباحية حتى قبل أزمة كورونا) وكذلك قصور الثقافة وما حولها فى المحافظات ووضع خطة (مارشال) للحرب على التعليم الرخيص الحالى وأمية التعلم والفكر الخرافى السائد الآن.. وأن يخصص مثلا جزء من الـ ١٠٠ مليار التى خصصت مؤخرا لمواجهة كورونا لتوفير موازنات عاجلة للتعليم ومحاولة الاستفادة مما يصرفه المجتمع فى التعليم خارج المدرسة التى لن ينتهى دورها، أى المدرسة أو مضمونها، وإنما يمكن تغيير شكل التعليم بها ليلائم عصر الحوار والسوشيال ميديا وإنتاج العلم والمعرفة.
فالنجاح ممكن من خلال فترة خمس إلى عشر سنوات والهدف التحديث وبدون تفرقة لأغلبية من طلاب مصر ولا نؤمم المدارس الخاصة الحالية أيضا فليس هذا مطروحًا على الإطلاق، مما يستلزم تغيير الفلسفة القديمة ورؤية التعليم على أنه سلعة، وجودتها لمن يدفع!
فالزمن القادم للعلم وتنميته للجميع فى الداخل وإدخال التكنولوجيا الصحيحة لأن مواردنا محدودة والمعركة القادمة هى نكون أو لا نكون ولنا فى تجارب الصين أسوة حسنة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved