البهتان
نادر بكار
آخر تحديث:
الثلاثاء 30 أبريل 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
المشروع الإسلامى الذى يداعب أحلام أبناء الصحوة الإسلامية على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم تعترضه الكثير من العقبات.. تعجب حينما تكتشف أن أكثرها متولدٌ من داخل الحركة الإسلامية نفسها، فكأنى بالمِبْضَعُ القرآنى (قل هو من عند أنفسكم) لايزال محدثا أثره فى كشف عوراتنا بغير محاباة كخطوة أولى على طريق العلاج.. ولعل من أبرز العورات التى تتكشف لنا الآن انجراف الكثيرين مع تيار (البهتان ) فى تمجيدهم أو فى خصومتهم.
كلكم يحفظ أن عبد الله بن سلام كان حبرا ــ أى عالم ــ من أحبار اليهود وسأل النبى صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة أمور لا يعلمها إلا نبى فأجابه فآمن به وصدقه ثم قال: يا رسول الله (إن اليهود قومٌ بُهت) فأرسل إليهم واسألهم عنى.. فأرسل إليهم رسول الله فلما حضروا قال لهم رسول الله: ما تقولون فى عبد الله بن سلام؟ قالوا هو سيدنا وابن سيدنا وعالمنا وابن عالمنا، فخرج عليهم وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والله إنه الرسول الذى تعرفون، والذى تجدونه مكتوبا عندكم فى التوراة. فقالوا بل سفيهنا وابن سفيهنا وجاهلنا وابن جاهلنا وخرجوا عن رسول الله. فقال عبد الله بن سلام يا رسول الله ألم أقل لك إنهم قوم بُهت.
برأيى أن مقصده بـ(قوم ٍ بُهت) مجاوزتهم للحق سواء فى حال حبهم وثنائهم أو فى حال بغضهم وذمهم، فهم على ذلك قد أخطأوا مرتين، الأولى لما بالغوا فى الثناء عليه إذ كان موافقا هواهم، ثم لمَّا حاد عن باطلهم انقلبوا إلى النقيض تماما؛ وهذا هو عين الإفراط الذى يفضى بصاحبه إلى الغلو فى الحب والكره.. والغلو شر كله وإلا لما شُدد فى النهى عنه مرارا: (دعوها فإنها منتنة)، (لا تطرونى كما أطرت النصارى)، (أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما) وغيرها.
ثمة فارق كبير بين احترام الهيئات وتوقيرها وبين رفعها إلى منزلة التقديس التى تفضى بالأنصار ليس فقط إلى الغلو فى من تقدسه وإنما تعمى وتصم عن رؤية الحق إذا ما أتى من غير طريق مقدسهم؛ ورغم ضعف حديث (حبك الشىء يعمى ويصم) إلا أنه يصلح عنوانا معبرا عن هذه الحالة ولا شك؛ فما يعود للإنصاف حال المحبة أو الخصومة مكان.