الخطأ القاتل

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 30 أبريل 2015 - 9:25 ص بتوقيت القاهرة

عندما غابت القدرة على توجيه النقد أو حتى النصح إلى النظام الحاكم فى الحرب ضد الإرهاب خوفا من الملاحقة بتهمة الانحياز إلى الإرهابيين أو تبرير جرائمهم تحولت هفوات النظام إلى أخطاء ثم تحولت الأخطاء إلى خطايا تهدد بهزيمة الدولة والمجتمع فى حربهما ضد «طاعون العصر» ما دام الجميع اختار التواطؤ إما بالصمت أو بالتهليل لكل ما تقوم به السلطة من إجراءات حتى لو كانت هذه الإجراءات تغذى الإرهاب وتزيد قوته.

فمنذ الإطاحة بنظام حكم جماعة الإخوان المسلمين الفاشلة، وتصاعد وتيرة العمليات الإرهابية، التزم البعض الصمت، واختار الكثيرون التهليل والتبرير لكل ما تتخذه الدولة من قرارات حتى لو كان الخطأ فيها واضحا وضوح الشمس، حدث هذا فى قرار إخضاع الشعب للقضاء العسكرى بقانون سيئ السمعة حمل اسم «حماية المنشآت» وفى قانون التظاهر وفى حبس النشطاء وأحيانا «الكسالى»، الذين أوقعهم حظهم العاثر فى قبضة «الأمن السياسى».

وتحولت فضيلة الصمت إلى خطيئة عندما تعلق الأمر بالمعركة الدائرة ضد الإرهاب فى سيناء وما صدر فيها من قرارات فلم نناقش جدواها وآثارها السلبية، فلم يجرؤ أحد على التساؤل عن جدوى إقامة المنطقة الحدودية العازلة مع أننا نعرف أن حركة السلاح الطبيعية هى من سيناء إلى غزة وليس العكس. ولم يجرؤ أحد على القول إن إجبار مئات «السيناوية» على ترك منازلهم وأراضيهم يمكن أن يثير سخط بعضهم ويدفعهم إلى التعاطف مع الإرهابيين. ولم يقل أحد إن استمرار حظر التجوال قد يكون عقابا جماعيا للمواطنين الأبرياء، ولا يؤثر فى قدرة الإرهابيين على تنفيذ جرائمهم. وتجاهلنا الظروف المعيشية الصعبة التى يعيشها أهل سيناء بسبب فشل الحكومة فى تحقيق التوازن بين اعتبارات الأمن واعتبارات الحياة الكريمة للمواطنين حتى لا يسقطوا فى فخ التعاطف مع الإرهابيين.

والآن وصلنا إلى «أم الخطايا» التى لا يمكن الصمت عليها وهى السماح لقبائل سيناء بحمل السلاح تحت سمع وبصر الدولة بدعوى المشاركة فى محاربة الإرهابيين. فهذا السيناريو البائس هو إعلان «وفاة الدولة» فى سيناء، لآن الدولة التى لم تهتم بتوفير متطلبات الحياة الكريمة لسكان منطقة، ولا تستطيع توفير الأمن لهم، لن يكون لها على هؤلاء السكان حق الطاعة ولا الولاء مهما امتلأت بيانات القبائل بعبارات الوطنية والانتماء.

المأساة أن نظام الحكم لا يتوقف عند الكوارث التى جرها هذا السيناريو البائس على الدول التى لجأت إليه. فقد استعان حكم الرئيس السودانى عمر البشير بمسلحى القبائل العربية لقمع القبائل الإفريقية فى دارفور فكانت النتيجة حرب أهلية أودت بحياة نحو 300 ألف قتيل بحسب بعض التقديرات. واستعان نظام الحكم العراقى بالقبائل السنية لمواجهة تنظيم القاعدة فكانت النتيجة ظهور داعش. واستعانت باكستان بمسلحى القبائل ضد الجماعات المسلحة غير الموالية له فى أفغانستان، فكانت النتيجة ظهور حركة طالبان باكستان.

وأخيرا يظهر بصيص من الضوء فى نهاية النفق، حيث تعالت بالفعل الأصوات المحذرة من هذا السيناريو حتى من داخل المعسكر الموالى لنظام الحكم، ليبقى معه الأمل فى استقبال النظام لرسائل التحذير والتعاطى معها بإيجابية قبل أن تحل الكارثة على الجميع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved