البرادعى محظورًا

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأحد 30 مايو 2010 - 10:25 ص بتوقيت القاهرة

 معلوماتى أن توجيها صدر بمنع استضافة الدكتور محمد البرادعى على شاشة القنوات التليفزيونية المصرية، الحكومية و«المستقلة»، وأن هذا التوجيه دخل حيز التنفيذ فى الأسبوع الماضى. وكانت إحدى القنوات المستقلة قد اتفقت مع الرجل على إجراء حوار معه يوم الأربعاء 26/5، وبعد الانتهاء من جميع الترتيبات الإدارية والفنية، جاءت التعليمات الفوقية فى اللحظة الأخيرة بإلغاء كل شىء. ولم تكن هناك فرصة للمناقشة أو المراجعة، فتم الاعتذار له وصرف النظر عن الموضوع.

لا أعرف من الذى أصدر التوجيه، لأن المصادر «الفوقية» متعددة، كما أننى لا أعرف كيف علمت تلك «المصادر» بأن الدكتور البرادعى سيظهر فى برنامج إحدى القنوات «المستقلة». ثم إن ما جرى يثير سؤالا آخر حول ما إذا كان ظهوره سابقا فى عدد من تلك القنوات قد تم بموافقة الجهات العليا، أم أن تلك الجهات لم تكترث بالأمر فى البداية، ولكنها أدركت لاحقا أن تمكينه من مخاطبة الناس من خلال التليفزيون أحدث أثرا لم يكن مرحبا به، ومن ثم تقرر إغلاق هذا الباب فى وجهه.

أغلب الظن أن تلك المراجع أدركت أن غياب الدكتور محمد البرادعى خارج مصر كان مريحا لها من عدة أوجه. ذلك أنه بغيابه أوقف «الصداع» الذى سببه لها، سواء بتحركاته أو تصريحاته. ولم يكن كلامه مصدر القلق الوحيد، ولكن أيضا لأن رصيد الرجل وسمعته الدولية أوقعا أجهزة السلطة فى حرج شديد، من حيث إنها لم تكن راضية عن تصرفاته، وفى الوقت نفسه فإنها وجدت نفسها غير قادرة على «القيام بالواجب» لاسكاته. ونحن نعرف جيدا أن لدى تلك الأجهزة أساليب عديدة تمكنها من القيام بذلك «الواجب».

من ناحية أخرى، فإن غيابه أفقد دعوته إلى التغيير قوة دفعها، وأثر على حجم الاستجابة لها خارج القاهرة. بل إنه أثر أيضا على تماسك فريق العمل الذى يحيط به، إذ أتاح للتباينات واختلاف الاجتهادات والطموحات بينهم أن تظهر وتكاد تتحول إلى «شروخ» انعكست على آراء بعضهم وكتاباتهم.

هذه العوامل التى ترتبت على غياب الدكتور البرادعى اعتبرت من وجهة نظر المراجع العليا «إيجابيات» أثرت سلبا على دعوته ومشروعه، مما شجعها على أن تسعى من جانبها إلى تغييبه، وكان حظر ظهوره على شاشات التليفزيون، التى تعد أقوى وأهم وسائل التأثير، هو السبيل إلى ذلك. باعتبار أنه إذا كان الحصار الأمنى وتقييد الحركة محرجا ومتعذرا، فإن التعتيم الإعلامى عليه يحقق بعض المراد، ويعطى انطباعا لدى الرأى العام بأن الرجل لايزال مسافرا، وأنه خرج ولم يعد إلى أهله!

هذا التطور يثير ثلاث قضايا على الأقل. من ناحية فإنه بمثابة دعوة إلى الجميع فى مصر لعدم تصديق ما يقال عن أن قنوات التليفزيون مفتوحة على مصراعيها لجميع الاتجاهات، لكى تعلن عن نفسها وتقدم آراءها للجمهور «الحبيب»(!)، وهو الكلام الذى ما برح المسئولون يرددونه هذه الأيام بمناسبة انتخابات التجديد النصفى لأعضاء مجلس الشورى، فى سياق تأكيدهم على الحياد والنزاهة والشفافية وسقف الحرية غير المسبوق.

من ناحية ثانية، فإن ما حدث ينبهنا إلى أنه طالما أن البلد له «صاحب» فالإعلام له «صاحب» أيضا. بمعنى أن ما نعتبره برامج «جريئة» ومتجاوزة للخطوط الحمراء، ليست كذلك فى الحقيقة. بالفعل، ولكن تلك الجرأة وذلك التجاوز من مقتضيات إحسان الإخراج واتقان إدارة اللعبة الإعلامية الخاضعة للتوجيه وتوزيع الأدوار.

القضية الثالثة تتعلق بالنتائج المترتبة على دخول رجال الأعمال فى الساحة الإعلامية. ذلك أن دخولهم حدث بعدما أسس كل واحد منهم إمبراطوريته المالية الخاصة ولأن تلك لها مصالحها الكثيرة مع السلطة، فإن أصحابها يحرصون على عدم إغضابها، لأن السلطة تملك إيذاءهم وتستطيع لى أذرعهم وربما رقابهم أيضا بسهولة بالغة.

(لا تنس سلاح القروض والمديونيات). من ثم فهم لا يستطيعون رفض التوجيهات التى تصل إليهم لأنهم يعلمون جيدا ثمن ذلك الرفض. وهو ما يفسر الاستجابة السريعة من جانب القناة الخاصة وصاحبها لقرار منع ظهور الدكتور البرادعى على الشاشة وإدراجه ضمن القائمة الطويلة من المحظورين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved