عندما تموت السياسة تكثر المهازل

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الجمعة 30 مايو 2014 - 4:46 ص بتوقيت القاهرة

هل من الممكن وجود حياة سياسية دون تواجد أحزاب عقائدية تتبع منها مطالب محددة ومشاريع تفصيلية تتغير هى بدورها مع متغيرات الظروف وتطوُر الحاجات؟

وهل تستطيع تلك الأحزاب القيام بتلك المهُمات دون وجود حريُة تعبير ونشر وتجمهر وتنظيم، لا تخضع إلا لسلطات قانون ديمقراطى شرعى صادر عن سلطة تشريعية منتخبة شرعية، ودون استقلالية كاملة ماليا وإداريا عن أية سلطة إلا سلطة القضاء النُزيه المستقل.

ثم، هل لوجود تلك الأحزاب أى معنى وأية قيمة إذا لم تتداول السلطة مع الآخرين، حسب نتائج انتخابات شفُافة ونزيهة، وذلك من أجل تنفيذ الشعارات والمشاريع التى طرحتها على الناخبين؟

إذا حاولنا الإجابة على تلك الأسئلة بصدق وموضوعية فسنصل إلى استنتاج مفجع وهو أنه لا توجد حياة سياسية صحية فى أى من المجتمعات العربية، بل إن الحياة السياسية العربية فى طريقها إلى مرض عضال قد يوصلها إلى الموت البطىء. هذا الاستنتاج نصل إليه بالرغم من الأحداث الكبرى التى اجتاحت الأرض العربية من خلال ثورات وحراكات الربيع العربى إبان السنوات الثلاث الماضية.

أن تريد غالبية أنظمة الحكم العربية وصول الحياة السياسية فى مجتمعاتها إلى هذه الحالة البائسة فهذا أمر مفهوم، فالحياة السياسية الصحية ستكشف الفساد وتحدُ من الامتيازات غير القانونية. لكن أن تقف قوى المجتمعات المدنية متفرجة بلا مبالاة أو بعجز معيب فهذا أمر لم يعد مقبولا ولا حتى مفهوما.

•••

ما يُظهر بشكل بالغ الخطورة عجز الحياة السياسية العربية هو ما جرى ويجرى فى العديد من بقاع الوطن العربى من فضائح مضحكة مبكية تشير إلى أنه سياسيا لا تزال المجتمعات العربية فى مرحلة المراهقة غير الناضجة وغير المتزنة.

فى أحد البلدان لم يتوصل مجلس النواب، بالرغم من انعقاده اسبوعيا عبر شهرين، لانتخاب رئيس للدولة. السبب هو انتظار حدوث توافق بين دولتين إقليميتين مع بعضهما البعض ومن ثم توافق هاتين الدولتين مع دولتين غربيتين قبل أن يكون ممكنا لمجلس نيابى، يدعى تمثيل الإرادة الشعبية، اختيار رئيس لتلك الدولة. هذا ارتهان للحياة السياسية فى ذلك البلد لإرادة خارجية، أى فى الواقع إعلان بموت الحياة السياسية التى لا دخل لها لا بالشعب ولا بالوطن.

فى بلد آخر تلخصت الانتخابات الرئاسية التى جرت فى ربوعه فى سيل هائل من المقارنات الشخصية بين المرشحين المتسابقين الاثنين، صفاتهما الشخصية، علاقاتهما بمختلف القوى الداخلية والخارجية، نقف من هنا وهناك عن أفكارهما السياسية. لكن ماذا عن المؤسسات المدنية السياسية، حاملة العقيدة السياسية الأساسية والمشاريع التفصيلية المنبثقة من تلك العقيدة، المزكية بتاريخ سياسى يثبت كفاءتهما وقدراتها وبتاريخ سياسى نزيه نظيف لقادتها، ماذا عن وجود تلك المؤسسات المدنية السياسية التى سيعمل معها الرئيس القادم وستكون قادرة على تنفيذ وإدارة حاجات ومطالب المواطنين حتى يطمئن المواطنون بأن المرشُح الناجح لن يعمل مع قوى خفيُة فاسدة أو قوى سلطوية مستبدة؟

إن عدم وجود الجواب الواضح الصادق لذلك السؤال الجوهرى يعنى أن الحياة السياسية فى ذلك البلد لا زالت مبتلاة بظاهرة الشخصنة وانتظار وجود الفرد القائد الفذ المنقذ بدلا من اعتمادها على المؤسسات الديمقراطية المنظمة الفاعلة الكفؤة.

فى بلد ثالث قامت ثورة اختلط فيها الحابل بالنابل بسبب تدخلات خارجية إجرامية فيكفى أن مات عشرات الألوف وحل الدمار فى كل مكان. فى هذا البلد لم تستطع الحياة السياسية أن تبعد ثورة شعبها عن عبث وحقارة الخارج ولا أن تنحى المسئولين الذين أوصلوا المواطنين والبلد إلى تلك المأساة. والآن تفشل الحياة السياسية حتى فى إقناع المسئول الأول عما حدث لعدم ترشيح نفسه لخوض انتخابات قادمة إنها حياة سياسية عاجزة فاشلة مريضة.

فى بلد رابع تسمح الحياة السياسية بنزول مرشٌح مريض عاجز لانتخابات رئاسية. وهو ما يعنى عقم الحياة السياسية فى ذلك البلد.

هل نذكر البلد الخامس الذى ينجح فى انتخاباته رجل طائفى فاسد ليقود البلد؟ هل نذكر البلد السادس الذى يتخلّص من دكتاتور فاسد ليصبح محكوما من قبل عشرات من رؤساء الميليشيات؟ القائمة طويلة والبلاء منتشر فى كل مكان والحياة السياسية مريضة تحتضر فى كل أرض من هذا الوطن الكبير المنهك.

وليس بالمهم ولا الضرورى ذكر أسماء البلدان والأنظمة والأشخاص. فالقحط السياسى يتحوّل شيئا فشيئا إلى طاعون سياسى.

•••

هذا كلام موجّه إلى شباب ثورات وحركات الربيع العربى بأن يعى، قبل فوات الأوان، بأن الحياة السياسية فى أرض العرب أكثر وأعمق وأكبر من مظاهرات وتواصل اجتماعى عبر الانترنت، فلينتقلوا من تلك المرحلة إلى الأعلى والأصعب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved