ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى ــ الجزء الثالث

محمد الهوارى
محمد الهوارى

آخر تحديث: السبت 30 مايو 2020 - 7:25 م بتوقيت القاهرة

أحيانا أكاد أتخيل الكورونا مثل ملوك الشر فى أفلام جيمس بوند فى السبعينيات والثمانينيات. أتخيله جالسا على كرسى جلد ذى ظهر مرتفع ولا نرى منه إلا يديه وهو يُمَلِّس على قطة بيضاء بينما يحضر لخطة جهنمية لغزو العالم أو تدميره. السبب فى هذا التخيل أنه لم يكن من الممكن أن يضرب فيروس الكورونا فى لحظة يكون فيها العالم أكثر ضعفا وعرضة للدمار. وبينما استعرضنا فى مقالات سابقة موقف أمريكا ومشاكلها فسنستعرض فى هذا المقال حال إنجلترا وأهم مشاكلها، بالإضافة لاجتياح الكورونا، وهو تنظيم خروجها من الاتحاد الأوروبى والمعروف باسم «بريكزيت».
بعد حوالى ثلاثة أشهر من دراسة تأثير الكورونا على الأسواق المختلفة، وجدت نفسى مندهشا وأنا أعود لقراءة الأبحاث حول العناصر الأخرى المؤثرة على الأسواق قبل الكورونا؛ مثل الحرب التجارية والبريكزيت. سبب اندهاشى أنه منذ أقل من أربعة أشهر كانت هذه الأمور هى العناوين الأهم والحاكمة والمتحكمة فى حركة الأسواق وعندما عدت لقراءتها أحسست كأنها من زمن آخر. ولكنها عناصر مازالت فاعلة ومهمة فى حركة الأسواق وتتفاعل بشكل أو بآخر مع العنصر الأهم حاليا وهو الفيروس وتأثيره.
فى مقال سابق فى فبراير ٢٠٢٠ استعرضنا العقبة القادمة فى مشوار البريكزيت وهى تنظيم العلاقة المعقدة بين إنجلترا وأوروبا قبل موعد انقضاء الاتفاقية المؤقتة لاستمرار انجلترا ضمن حيز القوانين الاقتصادية لأوروبا والتى تنقضى آخر عام ٢٠٢٠. الفرصة الأخيرة لإنجلترا لتأجيل هذا الموعد النهائى تنقضى فى خلال شهر تقريبا، فإذا لم يتم تمديد الموعد النهائى فستدخل إنجلترا فى دوامة صدمة جديدة وهى صدمة ضبابية الصورة الاقتصادية من جراء البريكزيت فيما بعد ٣١ ديسمبر ٢٠٢٠.
ولا أحسد رئيس الوزراء الانجليزى على موقفه فهو بين اختيارين شديدى الصعوبة. دخل بوريس ٢٠٢٠ بعد أن فاز بنتيجة ساحقه أمام منافسه جيريمى كوربن على أرضية تنفيذ المشروع الذى تبناه منذ سنوات وهو البريكزيت. فإذا قام بتأجيل التنفيذ الآن فسيخاطر بخسارة أرضية سياسية له ولفكرة البريكزيت عامة، فسيكون السؤال الواضح: إذا كانت آثارها سيئة لدرجة أنها ستعمق من آثار أزمة اقتصادية وصحية واجتماعية فلماذا ننفذها أصلا؟ أما اذا استمر فى المهمة المستحيلة لإنهاء إجراءات الخروج بدون إبرام جميع الاتفاقيات المطلوبة فسيكون الأثر مدمرا على الاقتصاد البريطانى.
فى مقال فبراير الماضى أوضحت صعوبة إبرام جميع الاتفاقيات المطلوبة فهى تغطى آلاف السلع والخدمات. أما الآن وأوروبا تواجه صدمة الكورونا التى يأتى معها صدمة «وجودية» جديدة للاتحاد الأوروبى فأظن أن إتمام الاتفاقيات المطلوبة أصبح أكثر صعوبة بل أقول إنه مستحيل. تواجه أوروبا أزمات متعددة غير الكورونا وبسببها، منها أزمة الخلاف الجوهرى حول سبل التمويل فى الظروف القهرية وهى المشكلة المعتادة بين دول الشمال المتحفظة ماليا والقوية اقتصاديا ودول الأطراف الأوروبية Periphery Countries مثل إيطاليا وإسبانيا الأكثر ضعفا. يزيد على ذلك أزمة بعض دول أوروبا الشرقية التى بدأت تحيد عن الطريق الليبرالى الديمقراطى المفضل للأوروبيين. وأخيرا بعض الأزمات الداخلية التى كانت موجودة قبل الكورونا والتى ستتفاقم بعدها، مثل المشاكل السياسية الداخلية التى حدثت بسبب سياسة فرنسا التقشفية أو محاولات إيجاد خليفة قوى لأنجيلا ميركل قائدة العالم الليبرالى فى غياب القيادة الأمريكية. لا أحد لديه المجال أو الطاقة للتفاوض مع الانجليز حتى وإن كان بوريس نجح مؤخرا فى إبرام إحدى الاتفاقيات المهمة مع أوروبا، فالمتبقى أكثر بكثير.
تنتهى دائما أفلام جيمس بوند بهزيمة عنصر الشر فى القصة، بينما يفوز العميل السرى الانجليزى بالبطلة الفاتنة وتكون النهاية دائما سعيدة. للأسف لا نرى هذا يحدث هذه المرة، فتأثير الفيروس على المملكة المتحدة متزامنا مع البريكزيت سيكون تأثيرا مدمرا. ستمر إنجلترا فى الفترة القادمة بأزمات ستكون مشابهة لأزمات الدول النامية وسنتعجب أن تمر بها الامبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس. يعتمد عمق الأزمة على الفيروس بشكل أساسى ولكنه يعتمد أيضا على الطريق الذى يختاره بوريس جونسون للتعامل مع الاتحاد الأوروبى. فإذا قرر الاستمرار فى اجراءات الخروج النهائى آخر العام الحالى فستكون الأزمة أكثر عمقا وشدة. مازلت أرى أن انجلترا ستكون فى لحظة ما أفضل فرصة استثمارية لهذا الجيل ولذلك أخصص لها عدة حلقات بدأت فى سبتمبر ٢٠١٩ أتتبع فيها القصة حتى تؤتى ثمارها. ولكن اللحظة الموعودة تبتعد أكثر مع أزمة الكورونا ربما ليس من ناحية الوقت ولكن بالتأكيد من ناحية عمق الدمار الذى يسبق الصحوة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved