أمريكا وحقوق الإنسان وحرب إسرائيل ضد فلسطين

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأحد 30 مايو 2021 - 7:45 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع بروجيكت سينديكيت مقالا للكاتب جيفرى ساكس يتناول فيه موقف اليهود المعارض لسياسة نتنياهو، فهو كيهودى أمريكى يقول إن ما تقوم به إسرائيل فى فلسطين منافٍ للتعاليم اليهودية، ويشير إلى أن إدارة بايدن إذا أعلنت حرصها على دعم حقوق الإنسان، فلا يمكنها إغفال ما يحدث للشعب الفلسطينى.. نعرض منه ما يلى.

تبدو محاولة إسرائيل تبرير هجومها الوحشى الأخير على غزة جوفاء ومخادعة لأى شخص على دراية بالأحداث الجارية فى إسرائيل، حيث انتهكت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، بدعم من العنصريين المناهضين للعرب، حقوق الإنسان الأساسية للسكان العرب بشكل منهجى ووحشى ومواظب. ومؤخرا، أدانت منظمة هيومان رايتس واتش، وهى منظمة عالمية غير حكومية تضم العديد من القادة اليهود، إسرائيل لارتكابها جرائم ضد الإنسانية.
الواقع أن سلوك إسرائيل يضع إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، التى تمارس سياسة خارجية تستند إلى حقوق الإنسان، فى دائرة الضوء. فإذا كان التزامها حقيقيا أصيلا، فيجب على الإدارة أن تدعم إجراء تحقيق مستقل من جانب الأمم المتحدة فى الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان ضد السكان العرب وأن تعلق المساعدة العسكرية لإسرائيل إلى أن يكتمل التحقيق ويتم تأمين حقوق الإنسان للشعب الفلسطينى.
كانت الغارات الجوية والهجمات المدفعية الأخيرة على غزة مسبوقة بتهديدات إسرائيلية بطرد الفلسطينيين من منازلهم فى حى الشيخ جراح فى القدس الشرقية، كما استفزت إسرائيل أعمال العنف فى المسجد الأقصى، واحد من أقدس الأماكن الإسلامية. نظم إسرائيليون يمينيون مسيرة عبر القدس الشرقية، حيث هتفوا «الموت للعرب». وسرعان ما أعقب ذلك إطلاق الصواريخ من غزة، ولعل هذا كان هدف نتنياهو منذ البداية. إنه يقاتل من أجل حياته السياسية فى مواجهة محاكمة الفساد الوشيكة، ومن الواضح أن التحريض على كراهية العرب واستغلال هذه الكراهية من الأدوات التى ساعدت نتنياهو لفترة طويلة فى السعى إلى السلطة والتشبث بها.
***
بصفتى يهوديا، أشعر بانزعاج شديد إزاء العنف المتهور الذى تمارسه إسرائيل ضد العرب، والذى يتعارض مع جوهر الأخلاق اليهودية. يقول التلمود: «من أنقذ روح إنسان كأنما أنقذ الناس جميعا». وفى مناسبة شهيرة، قال الحكيم العظيم هيليل إن التوراة بالكامل (القانون اليهودي) يمكن تلخيصها على النحو التالى: «ما هو مكروه لك، لا تفعله مع أخيك الإنسان».
ينتهك قصف إسرائيل الوحشى لغزة، والذى يتسبب فى معاناة جماعية وقتل الأبرياء، بمن فيهم ما لا يقل عن 63 طفلا، كلا المبدأين. وغالبا ما يتدثر الساسة الفاسدون الذين لا همَّ لهم سوى خدمة مصالحهم الشخصية مثل نتنياهو برداء دينى لتغطية أفعالهم الحاقدة الخبيثة. وفى هذه العملية يسيئون إلى الدين بشدة.
يدّعى نتنياهو أنه يتصرف باسم الشعب اليهودى. وهذا غير صحيح بكل تأكيد. فكثيرون من اليهود فى مختلف أنحاء العالم، بما فى ذلك شخصى، يحتقرون سياسة نتنياهو العنصرية.
بصفتى أمريكيا، أشعر أيضا بانزعاج شديد إزاء دعم حكومة الولايات المتحدة التلقائى المطلق لإسرائيل. لحسن الحظ، لست وحدى فى هذا الرأى. فقد دعا عدد متزايد من أعضاء الكونجرس الديمقراطيين، من اليهود وغير اليهود على حد سواء، الولايات المتحدة إلى الكف عن دعم فوضوية إسرائيل. الحقيقة هى أن الدعم الذى تقدمه حكومة الولايات المتحدة لإسرائيل، دون تمييز أو انتقاد، أصبح يعتمد على المسيحيين الإنجيليين، من أمثال وزير الخارجية الأمريكى السابق مايكل بومبيو، بشكل أكبر من اعتماده على اليهود الأمريكيين، الذين أصبحوا منقسمين بشدة بسبب تصرفات نتنياهو. السبب الحقيقى وراء حرص الإنجيليين على دعم الصهيونية ليس أمن اليهود، بل المعركة الفاصلة «Armageddon»، أو نهاية العالم، والتى يعتقدون أنها لن تأتى إلا عندما يكون كل اليهود فى إسرائيل.
علاوة على ذلك، كان حرص الرئيس السابق دونالد ترمب فى السنوات الأخيرة على إطلاق يد إسرائيل تفعل ما تشاء دون ضابط أو رابط ــ سببًا فى تشجيع العنصرية المتطرفة داخل أجزاء من المجتمع الإسرائيلى، إلى جانب شعور بين القادة الإسرائيليين بأن أى إساءة يرتكبونها أو يتغاضون عنها لن تزعزع دعم حكومة الولايات المتحدة لهم. وأصبح استحضار لغة الكراهية، والإقصاء العنصرى، والمذبحة المنظمة، شديد السهولة بين المنتمين إلى اليمين الإسرائيلى. يقدم زميلى المتميز فى جامعة كولومبيا رشيد الخالدى وصفا قويا لآلام الفلسطينيين وخسارتهم فى كتابه الجديد الذى يتناول تاريخ الصراع بعنوان «حرب المائة عام على فلسطين».
***
توصل تقرير منظمة هيومن رايتس واتش الأخير حول السياسة الإسرائيلية فى التعامل مع عرب إسرائيل وفلسطين المحتلة إلى نتيجة شديدة الوضوح وتنبئ بالكثير:
«دأبت السلطات الإسرائيلية بشكل منهجى على محاباة الإسرائيليين اليهود والتمييز ضد الفلسطينيين. وتوضح القوانين والسياسات والتصريحات الصادرة عن كبار المسئولين الإسرائيليين أن هدف الحفاظ على السيطرة الإسرائيلية اليهودية على التركيبة السكانية، والسلطة السياسية، والأرض، كان يوجه منذ فترة طويلة سياسة الحكومة. وفى السعى إلى تحقيق هذا الهدف، قامت السلطات بنزع ممتلكات الفلسطينيين، وحبسهم، وعزلهم وفصلهم قسرا، وإخضاعهم بحكم هويتهم بدرجات متفاوتة الشدة. وفى مناطق بعينها، كما هو موصوف فى هذا التقرير، تكون أشكال الحرمان هذه شديدة القسوة حتى أنها ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية تتمثل فى الفصل العنصرى والاضطهاد».
إذا كانت إدارة بايدن راغبة فى الالتزام بقانون حقوق الإنسان الدولى، فلا يجوز لها أن توجه أصابع الاتهام إلى الصين ثم تمنح تصريحا مجانيا لإسرائيل، التى تعتمد فعليا على ما تزودها به الولايات المتحدة من الذخيرة والدعم المالى. حقوق الإنسان هى حقوق الإنسان، وهى جزء من القانون الدولى بموجب ميثاق الأمم المتحدة. وسواء كانت القضية شيانجيانج والأويغور، أو ميانمار والروهينجا، أو إسرائيل والعرب الفلسطينيين، فإن السبيل الصحيح اللائق للدفاع عن القانون الدولى يمر عبر الأمم المتحدة، بدءا بإطلاق تحقيق مستقل برعاية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
إلى أن يحدث ذلك، أقدم أيضا بعض النصائح الاقتصادية البسيطة: تتمثل إحدى الطرق القوية لوقف السلوك الرديء الكريه فى المستقبل فى زيادة تكلفته. فبدلا من عقد مؤتمر آخر للمانحين تتعهد فى إطاره الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبى ودول أخرى بتقديم الأموال لتغطية تكاليف إعادة إعمار غزة، حان الوقت لإرغام إسرائيل على تحمل تكاليف إعادة بناء غزة. إن أموال المانحين الدولية الشحيحة يجب أن تستخدم لمساعدة أفقر الناس فى العالم، وليس دعم الدمار المتكرر الوحشى.

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved