لبنان.. الحوار أو الانهيار

ناصيف حتى
ناصيف حتى

آخر تحديث: الإثنين 30 مايو 2022 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

نذكر ونحن على مفترق طرق، بين ضرورة الخروج من النفق الذى وضعنا أنفسنا فيه، وهى مسئولية جميع المكونات السياسية اللبنانية ولو بدرجات وفى أوقات مختلفة وبأشكال متعددة من حيث المسئولية، وبين الاستمرار على الطريق السريع الذى يؤدى بنا إلى الانهيار. نذكر من لا يريد أن يتذكر أو أن يذكر، وكأنه يعيش فى حالة من الإنكار، أن لبنان بحاجة إلى مقاربة جديدة ومختلفة عن ما جرى ويجرى. مقاربة تشكل قطيعة مع اللعبة السياسية التى طبعت حياتنا الوطنية؛ لعبة راوحت بين الصدام المكلف والمنهك، تحت عناوين كبيرة ورهانات على موازين قوى يرتبط بها الداخلى بالخارجى، وما يحمله هذا الصدام من جمود قاتل ومدمر فى المرحلة الراهنة وهى مرحلة جد حرجة، وبين التفاهم الهش أو الشكلى، كما شاهدنا فى تجارب ماضية. تفاهم قد يأتى تحت عناوين وتبريرات مختلفة، من نوع حكومة «وفاق وطنى»، من دون أى مضمون فعلى يستند إليه. حكومة تهذب الصراع وتقيده بعض الشىء، باسم مصلحة الشراكة فى السلطة، وتؤدى فى أفضل الحالات إلى احتواء درجة التوتر بين الشركاء فى السلطة، لمصلحة الجمود، مع بعض المراهم لتحسين صورة الجمود، على حساب العمل والإنجاز.
وللتذكير أيضا فإن احتواء التوتر قد يكون مؤقتا إذ تحكمه ظروف، تسقط هذا الاحتواء عندما تتغير هذه الأخيرة، مما يعيدنا إلى المربع الأول والأمثلة على ذلك غير قليلة.
هذه «اللعبة التقليدية» التى طبعت الحياة السياسية فى لبنان لم يعد من الممكن الاستمرار بها اليوم، فالعناصر التى تؤدى إلى الانفجار الكبير، فى تزايد وتصاعد فى حدتها ووزنها مما يصعب تلافى تداعياتها «التدميرية». وعلى صعيد الإقليم الشرق أوسطى، ونحن الأكثر تأثرا بما تحمله الرياح الإقليمية، فهنالك مثلث من النقاط الساخنة (التأزم فى المفاوضات النووية، ازدياد حدة العدوان الإسرائيلى على الأماكن المقدسة فى القدس، والتلويح التركى بإقامة «منطقة آمنة» فى سوريا على الحدود مع تركيا) التى تحاصر لبنان وتزداد سخونتها. وإذا ما انفجرت إحداها أو كلها فستكون لها تداعيات كبرى مباشرة أو غير مباشرة على سرعة الخروج من النفق.
الحالة الرمادية فى الإقليم بين سيناريوهات التفاوض والهدنة والتفاهمات من جهة والمواجهة بالوكالة وزيادة تسخين بعض النقاط الساخنة والمأزومة لتعزيز الموقع التفاوضى عندما تحل لحظة التفاوض من جهة أخرى، ومن ضمن أوراق التفاوض بالطبع لبنان المحافظ دائما على وظيفته كصندوق بريد فى صراعات الإقليم وحول الإقليم، تستدعى مقاربة لبنانية مختلفة. فالانتظار يوفر أسرع طريق للانفجار.
فى خضم الصراع القائم والواضح بشأن أى حكومة يجب تشكيلها، وهل تكون حكومة سياسية أو حكومة تكنوقراطية أو تكنوسياسية باعتبار أن البعض يرى من الضرورى مشاركته مباشرة بالسلطة كصاحب قرار سياسى وليس ممثلا بوجوه تكنوقراطية كون الحكومة التى ستشكل، هذا إذا ما شكلت، ستتولى السلطة التنفيذية وحدها إذا لم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية فى المهلة الدستورية المعروفة. يجرى ذلك مع تزايد الاجتهادات الدستورية من قبل البعض فى هذا الشأن. الأمر الذى يزيد من الإرباكات الحاصلة. المطلوب اليوم، والوقت ضاغط، تأجيل البحث فى الإصلاحات الدستورية المطلوبة والضرورية، ولو أنه لا يوجد اتفاق حولها: مثل البناء على «اتفاق الطائف» وقد لحظ النص ذلك.
ويتعلق الموضوع الخلافى بحجم عملية البدء بالإصلاح وسرعته وكذلك بتوقيته. ويتطلع البعض، كما أشرنا أكثر من مرة، إلى ضرورة عقد مؤتمر تأسيسى جديد، لنسف الطائف، الذى يعنى الذهاب نحو المجهول مع التأكيد على ضرورة التطوير ولكن ابتداء من «الطائف». ورغم أهمية وضرورة الإصلاح الشامل والعميق لكن الأولوية اليوم يجب أن تذهب نحو وقف النزيف الذى سيؤدى إذا ما استمر إلى الانهيار الكامل. ويكون ذلك من خلال تشكيل حكومة أصفها بحكومة هدنة وطنية وليس حكومة وحدة وطنية. فالأخيرة فى الظروف التى نعيشها ونعرفها لن تملك من المعنى إلا الاسم. علينا الاعتراف بالخلافات الكبيرة والعميقة القائمة والتى يزيد من تعقيداتها الصراعات فى الإقليم والاصطفافات اللبنانية فى هذا المجال والتى تزيد من حدة التأثير الخارجى. المطلوب مشاركة الجميع، جميع المكونات السياسية، فى حكومة الهدنة الوطنية التى يجب أن تقوم على برنامج إنقاذى تلتزم به الأطراف المشاركة بعد أن تتفق عليه فى حوار عملى وليس شعاراتى، لوقف النزيف والبدء بالخروج من النفق، ومن أهم الأمور فى هذا الإطار احترام الاستحقاقات الدستورية. فانتظار التوافقات الخارجية وما تستقر عليه من توازن معين فى لحظة معينة، لن ينفع المراهنون على ذلك، إلى أى فئة انتموا. إن وقف النزيف وإنقاذ «المركب» اللبنانى من الغرق أمر أكثر من ضرورى، فلعبة الوقت بانتظار تغير الموازين الحاكمة للوضع اللبنانى، ليست لمصلحة أحد، فلا منتصر إذا ما غرق المركب لا سمح الله، والركاب جميعا عليهم المسئولية الأولية للإنقاذ. وبعدها يأتى دور المساعدة من الخارج، وتلك المساعدة أكثر من ضرورية ولكنها غير كافية إذا لم نأخذ زمام المبادرة. ثم يأتى وقت البحث فى كيفية مد المركب بالحماية أو بالمناعة الضرورية (عبر إصلاحات شاملة تدريجية تتناول مختلف أوجه الحياة الوطنية ولم يعد من الممكن تلافيها). المناعة التى تسمح للوطن بمواجهة الأعاصير متى حدثت ومن أى مكان أتت. ليس الوقت اليوم للتقاتل حول عناوين كبرى، فلن يبقى وطن، إذا ما استمرينا فى لعبة التسويف والانتظار، لوضعها موضع التنفيذ. انقذوا الوطن «وتقاتلوا» بعدها ولكن تحت سقف الدولة على كيفية إدارته. ولنتذكر الحكمة التى تقول إن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved