قراءة تحليلية في القمة العربية

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الثلاثاء 30 مايو 2023 - 8:25 م بتوقيت القاهرة

جاءت القمة العربية الثانية والثلاثون التى عقدت فى جدة فى السعودية يوم 19 مايو 2023 من حيث التوقيت عقب نحو ستة أشهر من القمة الأخيرة التى عقدت يومى 1 و2 نوفمبر 2022 فى الجزائر. كما أن قمة جدة عقدت فى ظل حالة من الانفراج فى العلاقات بين الدول العربية وكل من إيران وتركيا، مع إضافة أزمة جديدة فى السودان إلى الأزمات العربية، ودخول القضية الفلسطينية مرحلة خطيرة، حيث تهدف الحكومة اليمينية المتطرفة فى إسرائيل إلى إجهاض حل الدولتين والعمل بكل الوسائل على تصفية القضية الفلسطينية، وذلك فى ظل انشغال الولايات المتحدة الأمريكية بمشكلاتها الداخلية والدخول فى مرحلة الإعداد للانتخابات الرئاسية، وانغماسها والدول الغربية فى الحرب الأوكرانية والمواجهة مع روسيا والصين.
وثمة عامل مهم للغاية وهو وجود رغبة لدى الدول العربية، أو أغلبيتها العظمى، فى أن يكون لها دور فاعل فى إيجاد تسويات سياسية للأزمات العربية التى طال أمدها لأكثر من 12 سنة من الصراعات التى أهلكت الموارد والبشر وأتاحت المجال للقوى الخارجية للإمعان فى التدخل فى الشئون العربية. وجاءت البداية بتحسين العلاقات مع تركيا وإيران ليكون ذلك عاملا مساعدا على السعى لإيجاد حلول سياسية للأزمات العربية الضالعة فيها كلا الدولتين.
• • •
وكما قال الأمين العام لجامعة الدول العربية إن أهم وقائع القمة العربية فى جدة هو تغليب التوافق بين الوفود العربية بالنسبة للقضايا والأزمات ومشروعات القرارات، وهو ما يعبر عن رغبة فى إعادة تنشيط العمل العربى الجماعى، وإن كان ذلك سيتوقف على الممارسات الفعلية عقب القمة. وكانت عودة سوريا إلى مقعدها فى جامعة الدول العربية والمشاركة فى أعمال القمة حدثا مهما وتصحيحا لوضع غير سليم استمر نحو 12 عاما، أبعدت الدول العربية خلالها نفسها عن أى مساهمة إيجابية فى إيجاد تسوية للأزمة السورية وأدى إلى تدخل قوى إقليمية ودولية فى الأزمة وأصبح لها دور مؤثر سواء فى استمرار الأزمة أو فى العمل على إيجاد تسوية سياسية لها. ويتطلب ذلك قيام حوار مكثف وتعاون بين الدول العربية وهذه الأطراف الإقليمية والدولية، وبتعاون من جانب النظام السورى وفقا لما تم الاتفاق عليه قبيل وأثناء القمة العربية على أساس «خطوة بخطوة» للتغلب على ما يحيط بالأزمة من تعقيدات جمة.
وإذا كانت القمة العربية سواء فى فترة الإعداد لها أو أثناء انعقادها قد تجاوزت المعارضة الأمريكية والأوروبية لإعادة العلاقات مع النظام السورى قبل حل الأزمة السورية حلا سياسيا وفق قرار مجلس الأمن 2254، فإنها من قبيل إحداث نوع من التوازن أو الترضية فى العلاقات العربية الأمريكية الأوروبية، دعت رئيس أوكرانيا زيلينسكى لإلقاء كلمة فى الجلسة الافتتاحية للقمة والالتقاء بمن يرغب من القادة العرب على هامش القمة، حتى وإن لقى ذلك تحفظا من بعض القادة العرب وكان مفاجأة للرأى العام العربى. ولم تعر روسيا دعوة زيلينسكى اهتماما ووجه الرئيس بوتين رسالة إلى القمة العربية مبديا رغبة فى توسيع دوائر التعاون مع الدول العربية فى المجالات كافة. والملاحظ أن زيلينسكى وجه انتقادا قويا فى كلمته بقوله إن بعض الدول العربية تجاهلت الأزمة الأوكرانية turned a blind eye، وهو تعبير لم يكن موفقا فيه ليقال فى محفل عربى جامع.
وقد أكدت القمة العربية أن القضية الفلسطينية مركزية باعتبارها أحد العوامل الرئيسية للاستقرار فى المنطقة، وأدانت الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية ضد أرواح وممتلكات ووجود الفلسطينيين، ودعت إلى بذل الجهود لتحقيق حل الدولتين، وأكدت على المبادرة العربية الصادرة عن القمة العربية فى بيروت عام 2002. ولكن القضية الفلسطينية أصبحت فى أشد الحاجة إلى خطة عربية عملية لوقف الاعتداءات الإسرائيلية وإنهاء الاحتلال الاستيطانى الإسرائيلى الذى يتحدى الدول العربية والمجتمع الدولى الذى يقر بحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره وإقامة دولته، وما لم تعاقب إسرائيل عربيا ودوليا فإنها ستستمر فى خطتها لابتلاع المزيد من الأراضى الفلسطينية وتهويد القدس الشرقية والحيلولة، بكل الوسائل، دون إقامة دولة فلسطينية، ولن تعير إدانتها والتنديد بسياساتها العدوانية العنصرية أى اهتمام.
كما أبدت القمة دعما لكل ما يضمن أمن واستقرار اليمن، والجهود الأممية الساعية إلى التوصل إلى حل سياسى شامل استتنادا للمرجعيات ذات الصلة (قرار مجلس الأمن رقم 2216، والمبادرة الخليجية، ومخرجات مؤتمر المصالحة اليمنية) . ولكن هذا بدوره يتطلب تفعيل الحوار البناء بين الأطراف الإقليمية واليمنية والدولية، من أجل التوصل إلى حلول سياسية تتطلب أن تلقى الأطراف الرئيسية الفاعلة فى الأزمة على أرضية مشتركة وسط والخروج من التمترس وراء مواقف لا تحقق الأهداف المطلوبة، وأهمية الابتعاد عن فكرة منتصر وغير منتصر، طالما أن الحل السياسى يضمن مصالح الجميع.
وقد رحبت القمة العربية بالجهود التى بذلت وتبذل للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الطرفين المتحاربين فى السودان، والإعراب عن القلق من تداعيات الأزمة السودانية على أمن واستقرار دول وشعوب عربية، وضرورة تغليب لغة الحوار ورفع المعاناة عن الشعب السودانى، والمحافظة على مؤسسات الدولة الوطنية ومنع انهيارها، وأهمية عدم التدخل الخارجى فى الشأن السودانى بما يؤجج الصراع ويهدد السلم والأمن الإقليميين. ولكن الوضع المتفجر فى السودان يتطلب مزيدا من التعاون بين الدول العربية والدول المجاورة للسودان، وضرورة إشراك المكون المدنى السودانى من أجل العمل على إيجاد مخرج سياسى من هذه الأزمة يحفظ وحدة وسلامة واستقرار السودان بدلا من استمرار الصراع بين جناحين مسلحين.
وتناولت القمة العربية الأزمات العربية الأخرى سواء الأزمة الليبية وأهمية اتفاق الفرقاء الليبيين على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وإخراج الميليشيات والمرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا. والحقيقة أن هذا يتطلب توحيد الحكومة، وتوحيد الجيش الليبى كبداية لرأب الصدع والخروج من حلقات الصراع المفرغة.
وكذلك شغور منصب رئيس الجمهورية فى لبنان وحث جميع الأطراف اللبنانية للتحاور لانتخاب رئيس للجمهورية يرضى طموحات اللبنانيين، وانتظام عمل المؤسسات الدستورية وإقرار الإصلاحات المطلوبة لإخراج لبنان من أزمته الطاحنة. وهذا يتطلب تقديم مساعدات عربية فى المجالات الاقتصادية والسياسية لمساعدة اللبنانيين على الخروج من أزماتهم المستحكمة التى أصبح من المتعذر عليهم الخروج منها دون مساعدات عربية وخارجية فعالة.
وطالبت القمة بوقف التدخلات الخارجية فى شئون الدول العربية، والرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نظام مؤسسات الدولة، والتأكيد على أن الصراعات العسكرية الداخلية لن تؤدى إلى انتصار طرف على آخر وإنما تفاقم معاناة الشعوب وتدمر منجزاتها وتحول دون تحقيق تطلعات مواطنيها. وهذا فى الحقيقة توجه بالغ الأهمية إذا التزمت به كل الدول العربية وجعلت أساس جهودها ينصب على تصفية الأزمات العربية.
ودعت القمة إلى الاهتمام بتوفير الظروف الملائمة لتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادى فى المنطقة، خاصة التنمية المستدامة بأبعادها الثقافية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية، وتحقيق الأمن والاستقرار والعيش فى سلام، ومكافحة الجريمة والفساد بحزم وعلى المستويات كافة، وحشد الطاقات والقدرات لصناعة مستقبل قائم على الإبداع والابتكار ومواكبة التطورات المختلفة. والحقيقة أن الدول العربية لديها من الإمكانات والموارد الطبيعية والبشرية ما يجعلها تحقق ذلك إذا توفرت لديها الرغبة والإرادة.
وقد أدرجت القمة العربية موضوع سد النهضة الإثيوبى، وأزمات المياه العربية على جدول أعمالها لصلتها الوثيقة بالأمن المائى والأمن القومى للدول العربية. وقد ظهرت أهمية ذلك والتضامن العربى إزاء هذه القضية الحياتية فى رد فعل إثيوبيا غير الموضوعى ومحاولتها التشويش على الموضوع خاصة حقوق مصر والسودان المشروعة فى مياه نهر النيل باعتبارهما دولتى مصب، لذا كان رد مصر على الادعاءات الإثيوبية واضحا وحاسما.
وأعطت القمة العربية أهمية كبيرة لتعزيز العمل العربى المشترك المبنى على الأسس والقيم والمصالح المشتركة، والمصير الواحد، والتعاون فى صون الأمن والاستقرار وحماية سيادة الدول العربية وتماسك مؤسساتها، وتحقيق المزيد من الارتقاء بالعمل العربى والاستفادة من المقومات البشرية التى تحظى بها المنطقة بما يخدم الأهداف نحو مستقبل واعد. هذا وقد شكلت بعض اللجان لتكون مع الأمين العام لجامعة الدول العربية للعمل على تناول بعض القضايا والأزمات العربية بحيث يكون للدول العربية دور مهم فى حل الأزمات والقضايا وتسوية الخلافات والمنازعات. ولكن، رغم جو التفاؤل والتطلع إلى مزيد من تفعيل العمل العربى الجماعى فى هذه القمة العربية، إلا أن المطلوب ما يزال كثيرا وبالغ الأهمية.
• • •
إن من الأولويات المطلوبة فى العمل العربى المشترك تنقية الأجواء العربية بما يمهد الطريق لحضور جميع الزعماء العرب القمة العربية القادمة، حيث يلاحظ عدم مشاركة زعماء فى قمة جدة سواء من مجلس التعاون الخليجى أو من شمال أفريقيا وجزر القمر، هذا إلى جانب الدول التى لديها ظروف خاصة مثل السودان ولبنان. وهذا يتطلب تشكيل لجنة من وزيرى خارجية دولتين عربيتين مع الأمين العام لجامعة الدول العربية لمعالجة الخلافات أو حالات الاحتقان فى العلاقات بين بعض الدول العربية وفى مقدمتها المصالحة بين الجزائر والمغرب، وغيرهما، وأن تقتدى الدول العربية بالاتحاد الأوروبى، فمهما حدث من خلافات ثنائية أو جماعية فإنها لا تؤثر بأى حال على انتظام الاجتماعات على جميع المستويات وعدم تخلف أى من الزعماء عن أى اجتماع للقمة، إدراكا منهم أنه مهما كانت الخلافات حول بعض الموضوعات أو بعض المواقف، فإن المصالح المشتركة بينهم والتحديات التى تواجههم أهم وأكبر من أى اختلافات بينهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved