الدور المحورى لاستراتيجية التنمية

محمد محمود الإمام
محمد محمود الإمام

آخر تحديث: الإثنين 30 يونيو 2014 - 5:25 ص بتوقيت القاهرة

أشرت فى مقال سابق (12/6/2014) إلى عناصر التنمية المتوازية التى تضمنها خطاب الرئيس السيسى وألقيت بالكرة فى ملعب وزارة التخطيط. ويبدو أن السيد وزير التخطيط بادر بالفعل بالدخول فى صميم المشكلة حسب المقطع الذى شاهدته فى حديث له على قناة سى بى سى إكسترا، والذى أشار فيه إلى دراسات يجريها تحت عنوان «مصر 2030»، وهى إحدى الأفكار التى كانت تجول فى خاطرى، خاصة وقد شاركت منذ أواخر التسعينيات كمستشار لدراسة «مصر 2020» تحت رعاية منتدى العالم الثالث بإشراف الزميلين إسماعيل صبرى عبدالله وإبراهيم سعد الدين عبدالله (رحمهما الله). وتبعته دراسات مماثلة قامت بها مراكز أخرى. وكان طبيعيا أن أفكر فى 2030 باعتبار أنها تغطى أربعة مدد رئاسية، الأمر الذى يؤمن استمرار السياسات وفقا لاتفاق مجتمعى، فيجنب الدولة الهزات التى قد يسببها الاعتقاد السائد بمطالبة المرشحين للرئاسة ببرنامجهم كأساس للمفاضلة بينهم، الأمر الذى قد يتسبب فى انقطاعات غير مرغوبة.

•••

وأبدأ هنا بالتمييز، من الوجهتين الزمنية والوظيفية، بين ثلاثة أمور. الأول النظرة طويلة الأجل، والتى تعبر عنها استراتيجية ترسم مسار التنمية وفقا لرؤية حول الصورة التى يرجى أن تصبح عليها الدولة وتكفل بلوغ الغايات التى تنشدها مختلف فئات المجتمع، فتكون الموجّه للتصرفات التى تقوم بها مختلف هيئات ومؤسسات المجتمع. وتأخذ فى الاعتبار، إلى جانب الإمكانات المحلية وما يمكن إحداثه من تغييرات تكفل أقصى حد ممكن من الكفاءة فى الأداء والتوازن بين مختلف جوانب الحياة، جميع المتغيرات على المستويين الإقليمى والدولى، ومتطلبات تفاعل الدولة معها وضمان شغلها مكانا يليق بها ويهيئ لها المساهمة فى قيادة مسار الحضارة الإنسانية.

وفى ضوء تلك الاستراتيجية توضع الخطط القومية متوسطة المدى (عادة خمسية)، التى تساهم فى دفع عجلة التنمية نحو تحقيق الرؤية التى حددتها، لكيلا تتحول إلى اجتهادات لمواجهة قضايا ملحة تصرف الأذهان عن الغابات المنشودة على المدى البعيد، وتغيب صفة «الاستدامة» عن التنمية. ومن الوجهة الاقتصادية تهتم هذه الخطط بالاستثمارات التى تلزم لمشروعات جديدة إلى جانب استكمال ما تبقى مما بدأ تنفيذه خلال ما سبقها وإدخاله حيز التنفيذ، واتخاذ ما يلزم لإعداد الموارد المالية والبشرية اللازمة ولحسن تسيير الاقتصاد القومى، وملاحظة مقتضيات التوازن بين مختلف فاعليات المجتمع، والإعداد لما يدرج فى خطط لاحقة حرصا على استمرارية العمل دون انقطاعات تسبب إهدارا لموارد المجتمع، وضمان الالتزام بضوابط الاستراتيجية أو إجراء تعديلات عليها تساعد على الاستفادة من فرص مستجدة أو التغلب على عوائق لم تكن مأخوذة فى الحسبان.

وكما هو معلوم، فإن الموازنة العامة هى التى يتم بمقتضاها إمداد أجهزة الدولة الموارد اللازمة للقيام بتنفيذ ما يعهد إليها به من مهام. وهنا تأتى أهمية الخطة السنوية المستمدة من الخطة متوسطة المدى: فهى تحدد المهام وتخصص الموارد بالنسبة لوحدات السلطة التنفيذية، وتوفر المؤشرات لباقى المشاركين فى الأنشطة الإنتاجية بمختلف جوانبها وتهيئ المناخ لترشيد الاستهلاك. وتتولى الخطط السنوية مواصلة متطلبات تنفيذ الخطط المتوسطة وتصحيح أى انحرافات وإجراء أى تعديلات تعزز المسار الذى رسمته الاستراتيجية. وبينما تساهم الجهات التنفيذية فى صياغة الخطط السنوية والخمسية، فإن القوانين والموازنات التى تتعلق بها تصدر عن البرلمان بعد مناقشتها واعتماد أية تعديلات تعبر عن تقديره لمدى مواءمتها لاحتياجات الجماهير التى يمثلها، شريطة أن تظل متمشية مع الاستراتيجية المعتمدة، الأمر الذى يؤكد دورها المحورى فى تلبية مطالب الشعب.

•••

وعقب قيام الثورة جرى العمل وفقا لمفهوم قاصر للمرحلة الانتقالية شكلت بموجبه حكومات من وزراء يختارون من بين تكنوقراط يتمتعون بخبرة فنية فى مجالاتهم لتسيير الأمور إلى حين استكمال خارطة الطريق وبناء المؤسسات التى يُدّعى أنها تمثل النظام الذى قامت الثورة لإحلاله محل النظم التى أثبتت فسادها وإضرارها بمصالح الشعب، ومن ثم تتولى تحديد الرؤية المستقبلية وإقرار الاستراتيجية الملائمة والخطط المنبثقة عنها. ولسنا بحاجة لتبين مدى الخلل فى هذا التصور، سواء من حيث المدى الزمنى الذى يحتاجه الاتفاق على منظومة تنموية متكاملة عند قيام النظام الجديد، ومن حيث مدى تمثيلها لمختلف فئات المجتمع المؤمنة بالثورة وأهدافها. وليس أدل على هذا الخلل مما جرى خلال السنة التى ابتليت بها الدولة بتولى مرسى، وتشكيله حكومات تنفذ أوامره، والتجائه إلى مجموعة من المستشارين من المؤمنين بمنهج الجماعة ليصوغوا مسارا تنمويا يتفق ورؤية تنظيم دولى له استراتيجية مغايرة تماما لما دار بخلد الثوار والشعب الذى أيدهم. ومعنى هذا أن أعضاء البرلمان سوف ينتخبون وفق اختيارات لا رابط بينها، وبالتالى فمن غير المتصور أن ينجزوا الاستراتيجية على النحو المرغوب وفى وقت يسمح باستخلاص خطط خمسية وسنوية تضع المجتمع على البداية الصحيحة. والأغلب أن ضغط الأزمات الخانقة والرغبات فى إثبات الصدق فى تنفيذ الوعود التى أتت بهم إلى مقاعد التشريع، سوف تزيد صعوبة الاتفاق على رؤية بعيدة المدى تنسجم مع آمال الشعب والأفكار التى طرحها رئيس الدولة. بل هناك احتمالات عديدة، أحدها إعادة إنتاج الحزب الوطنى ومنهجه الفاسد فى ثوب جديد، وآخر أن بخلع نواب ثيابا تقمصوا فيها شخوصا مقبولة ليفاجأ الشعب بعودة ممثلى التيارات الدينية بمسميات جديدة، واحتمال ثالث بأن تجرى تحت قبة البرلمان معارك بين شراذم غير متجانسة، تدفع إلى انقلاب صريح يعلم الله من الذى يقوده ومغزاه لمستقبل مجهول.

•••

وباعتقادى أن تولّى وزارة التخطيط طرح استراتيجية مترابطة لمناقشات تحسن إدارتها تتدارك الكثير من تلك المآخذ. فمن ناحية تدفع الأحزاب التى عجزت عن الاستفادة من الأربعين شهرا الماضية لتدفع الجماهير نحو مناقشات جادة تزيح الغوغائية عما يدعى البعض أنه يمثل مشاركة غير مسبوقة للمصريين فى النقاش (الأصح الهراء) السياسى. ولعله يدفع النخبة التى توصف بأنها تضم المثقفين إلى الإفاقة لحقيقة دورهم. وهو فى نفس الوقت يرشد المجتمع المدنى الذى يُكتفَى باتهامه أنه يتلقى تمويلا خارجيا، لأن يصوب رؤى متماسكة لإصلاح مجتمعى أغفله الجميع فظل مصدرا للبلاء. وعلى الجانب الآخر يضع أمام رئيس الدولة ملامح أوضح تغنيه عن مستشارين لا مساءلة شعبية لهم. ويصب هذا فى توضيح ملامح الخطط السنوية والمتوسطة فيعفينا من تخبط لم تعد الدولة تتحمله.

وأرجو أن تسعفنى المساحة والزمن لتوضيح الأركان التى يجب أن تتضمنها الاستراتيجية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved