معركة الطاقة الرخيصة فى العالم الثالث

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الإثنين 30 يونيو 2014 - 5:25 ص بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة الشئون العامة Institute of Public Affairs مقالا للكاتب بريندان بيرسون يتحدث عن القرار الذى أصدره البنك الدولى مؤخرا ويحد من حصول الدول الفقيرة على مصدر الطاقة الرخيصة «الفحم». يعتبر قرار الحد من تمويل محطات الطاقة التى تعمل بالفحم فى البلدان الفقيرة إلا فى ظروف «نادرة»، دراسة حالة عن كيفية وصول دول العالم المتقدم إلى هذه المرحلة الحتمية فى علاقتها مع الدول الفقيرة. فقد كان ربع سكان العالم الذى يستهلك 90 فى المائة من استهلاك الطاقة فى العالم يفرض القواعد على ثلاثة أرباع سكان العالم الذين يستهلكون 10 فى المائة، فحسب. من ثم كان قرار البنك، قرارًا اتخذه الأغنياء الذين أدمنوا الشعور بالتعالى.

•••

وأشار الكاتب إلى بعض الحقائق التى يمكن أن تساعد فى تفسير هذا السياق. حيث يستهلك مليارا من الأفارقة الآن نفس حجم استهلاك 34 مليون كندى من الكهرباء. ويذهب تسعون مليون طفل فى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى مدارس بلا كهرباء. وفى ملاوى وأوغندا، لا يتمتع ما يصل إلى تسعة من كل عشرة أشخاص بالكهرباء العادية. وفى باكستان، يتم إزالة الغابات ليس من أجل الحصول على مواد البناء ولكن من أجل خشب الوقود. وتستهلك أى ثلاجة لدى أسرة متوسطة فى البلدان المتقدمة، كهرباء أكثر تسعة مرات سنويا مما تستهلكه الثلاجة لدى أى أسرة متوسطة فى إثيوبيا. وفى حين تشير التقديرات إلى أن 3.5 مليون حالة وفاة سنويا، تنتج عن تلوث الهواء بسبب استخدام الوقود الصلب، بما فى ذلك الروث. غير أن المؤسسة العالمية المكلفة بالحد من الفقر وضيق الحال البنك الدولى قررت تقييد حصول الدول الفقيرة على مصدر الطاقة المتاح الأرخص والأكثر وفرة.

•••

وأوضح بيرسون أنه يتعين على الحكومة الأسترالية باعتبارها عضوا فى البنك الدولى كما تشغل منصب محافظه تغيير هذه السياسة فورًا. وذلك لثلاثة أسباب:

أولا ــ تخالف سياسة البنك الدولى النهج السائد منذ فترة طويلة، الذى أعلن للمرة الأولى فى قمة الأرض فى ريو دى جاينيرو عام 1992 ونص عليه عدة مرات منذ ذلك الحين، ومؤداه أن التنمية الاقتصادية والقضاء على الفقر يجب أن يكون لهما الأولوية الأولى والأهم فى البلدان النامية. وتتناقض سياسة البنك الدولى الجديدة مع ذلك النهج، عبر إخضاع القضاء على الفقر لأهداف السياسة المناخية.

وسيكون التأثير العملى للسياسة حرمان مليارات البشر من الطاقة الرخيصة الموثوق بها وتأخير وصولها إليهم. ومن المعترف به على نطاق واسع أن توفير الطاقة بأسعار معقولة شرط أساسى للنمو الاقتصادي. وعلى العكس من ذلك، فإن ندرة الطاقة تقيد النمو الاقتصادي.

ثانيا ــ أبرزت دراسة حديثة، الأثر الرجعى لهذا النهج. حيث أوضحت دراسة أصدرها الشهر الماضي، مركز التنمية العالمية، تأثير حظر تدعيم الوقود الأحفورى لمحطات توليد الوقود فى الدول الفقيرة، من خلال مساعدات المانح الرئيسى للمعونة الأمريكية؛ مؤسسة الاستثمار الخاص لما وراء البحار. وجاءت النتائج صارخة: من الممكن أن يحصل ستون مليون شخص آخرون فى الدول الفقيرة على الكهرباء إذا تم السماح لمؤسسة الاستثمار الخاص فيما وراء البحار، بالاستثمار فى الغاز الطبيعى بدلا من الاقتصار على مشروعات الطاقة المتجددة فحسب. وفى العام الماضى وحده، قفز استخدام الفحم العالمى بما يعادل الطاقة المولدة من 2 مليون برميل بترول يوميا. وهو ما يقدر بثلاثة أضعاف النمو فى مصادر الطاقة المتجددة غير المائية (الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والكتلة الحيوية، والطاقة الحرارية الأرضية) وأقوى من النمو فى كل من البترول والغاز.

ومن بين 191 دولة فى قاعدة بيانات إحصاءات الطاقة للأمم المتحدة عام 2009، تعتمد خمس دول تقريبًا على الجمع بين الوقود الأحفورى والطاقة النووية والكهرومائية والطاقة الحرارية الأرضية فى أكثر من 90 فى المائة من استخدامات الطاقة. ومع وجود المحطات النووية والطاقة المائية بالفعل خارج حدود التمويل من البنك الدولي، فإن استبعاد محطات الفحم يعنى أن خيارات الدول الفقيرة ضيقة (ومكلفة). وتتمثل الحقيقة البسيطة فى أن مصادر الطاقة المتجددة ليست خيارا عمليا للعالم النامى. حيث يحتاج طاقة رخيصة مضمونة وليست طواحين هواء لا يمكن الاعتماد عليها.

ثالثا ــ سوف تؤدى هذه السياسة إلى نتائج عكسية. وسوف تفشل فى الحد من الانبعاثات وربما حتى تحدث تأثيرًا معاكسًا. أوضح هذه النقطة كبار أعضاء البنك الدولى أنفسهم. وكتب الخبير الاقتصادى السابق بالبنك الدولى جوستين لين فى عام 2009 «نظرا لأن الفحم رخيص الثمن ومتوافر فى كثير من الأحيان، والحاجة إلى الكهرباء كبيرة جدا، سوف يتم بناء محطات الفحم بدعمنا أو من دونه».

•••

واختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أنه مع تكوين قدرة توليد جديدة وأكثر كفاءة، ينخفض متوسط ​​الانبعاثات الناتجة عن المصانع التى تعمل بالفحم. فوفقا لوكالة الطاقة الدولية، تقل انبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون من المحطات الحديثة التى تعمل بالفحم بنسبة 30 فى المائة عن المتوسط ​​فى محطات الفحم القائمة بالفعل. ولا شك أن بعض النقاد سوف يزعمون أن استراليا تسعى لتغيير هذا النهج فى سياسة البنك لأنها دولة مصدرة للفحم. وهذا هراء. حيث تصدر أستراليا أيضا الغاز الطبيعى واليورانيوم اللازم للطاقة النووية. وتعتمد الحجة ضد هذه السياسة للبنك الدولى على الفضيلة، وليس على تقدير المصالح. ولكن هذا موقف خطأ يجب تغييره. فهو حالة أخلاقية يطغى عليها التكبر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved