حوار مفتوح: نحو مرحلة جديدة في العمل العربي المشترك.. شروط القيادة.. قيادة مؤجلة

أحمد يوسف أحمد
أحمد يوسف أحمد

آخر تحديث: الثلاثاء 30 يونيو 2020 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

في مواجهة التحديات والعقبات التي تمنع انطلاق مرحلة إيجابية جديدة في العمل العربي المشترك، دعت «الشروق» عددا من الكتاب والمفكرين والمتخصصين العرب لإجراء حوار بشأن الشروط التي يجب توافرها في دولة أو ائتلاف عربي يتولى مهام القيادة في النظام العربي ويتغلب على هذه التحديات. وكان أول من استجاب لدعوتنا المفكر العربي الكبير ووزير التربية والتعليم الأسبق في دولة البحرين الدكتور علي فخرو. وبطبيعة الحال فإن الآراء المنشورة في سلسلة مقالات «حوار مفتوح: نحو مرحلة جديدة في العمل العربي المشترك.. شروط القيادة» تعبر عن أصحابها فقط وليس عن وجهة نظر «الشروق».

أحسن المفكر والكاتب الكبير الأستاذ جميل مطر صنعاً بطرح المقالة المهمة للسياسي والمفكر القومي الكبير الدكتور علي فخرو "أسئلة لمن يريد قيادة الأمة" لحوار واسع شاركت فيه نخبة من خيرة المهتمين بحاضر الأمة العربية ومستقبلها، ولا أدري إن كان الدكتور فخرو يوافقني على أنه ربما كتب هذه المقالة تأثراً ولو باللاوعي بالأفكار التي تتحدث دون سند مقنع عن أدوارٍ قيادية، ومن يتأمل المقالة يجد أن أسئلته قد تضمنت الإجابة بكل ذكاء، فطالِب القيادة عليه أن يتبنى مشروعاً نهضوياً للأمة يعالج أوجاعها ويستجيب لطموحاتها، وهو ما يطرح مناقشة "مقومات القيادة"، وهي ليست بالتأكيد مادية فقط وإنما معنوية بالأساس تقوم على مشروع يستجيب لمطالب المخاطبين بالقيادة وتوقعاتهم حيث يعاني معظمهم من شظف العيش والتفاوت الاجتماعي الصارخ والقصور الواضح وأحياناً الفادح للحريات والتخلف الاقتصادي الذي يجعل الاقتصادات العربية هشة حتى الغنية منها، وتفاقم الإرهاب والانقسامات المجتمعية على أسس عرقية ودينية ومذهبية وقبلية، وفقدان الإرادة بشكلٍ مخزٍ في مواجهة قوى إقليمية وعالمية، والوضع الأمثل أن يستجيب هكذا مشروع لكل ما سبق وإن كانت خصوصية اللحظة قد ترتب أولوياته كما أعطت لحظة ما بعد الحرب الثانية أولوية لمطلب التحرر الوطني وكما قد تعطي اللحظة الراهنة أولوية لحماية الدولة الوطنية مثلاً، لكن المهم أن تتوفر رؤية استراتيجية شاملة بأولويات واضحة.
وتفيد دروس الخبرة الماضية في النقاش الحالي وأهمها يتعلق بالخبرة الناصرية، ونلاحظ أن القيادة لم تأت لمصر عبد الناصر لمجرد أنه تحدث في "فلسفة الثورة" عن دور يبحث عن بطل، وإنما لأنه أتبع القول بالفعل فاتخذ قرارات حاسمة تحدت قيادة المعسكر الغربي بكسر احتكار السلاح وهزيمة "حلف بغداد" ودعم حركات التحرر العربية وتأميم شركة قناة السويس والتصدي للعدوان الثلاثي والتلاقي نتيجة لذلك كله مع سوريا في أول خطوة لوحدة عربية واتخاذ خطوات جادة لتحقيق العدالة الاجتماعية ودعم النظم العربية الثورية، والمعنى الأول لهذه الخبرة أن القيادة لا تأتي بالأقوال وإنما بالأفعال، ويظهر المعنى الثاني من الطريقة التي انتهت بها التجربة الناصرية، فرغم أن البعض يعتبر انقلاب الانفصال السوري بداية للتراجع إلا أن عبد الناصر استرد بعده زمام المبادأة بتدخله عسكرياً في اليمن لنصرة ثورتها ونقله المعركة إلى آخر قلاع الاستعمار البريطاني برعايته حركة التحرر في جنوب اليمن التي نجحت في إجبار بريطانيا في فبراير١٩٦٦ على إعلان مغادرتها الخليج بحلول عام ١٩٦٨ دون احتفاظ بقواعد فيه، وبعدها مباشرة أعلن عبد الناصر بقاء قواته في اليمن لما بعد هذا التاريخ لضمان الانسحاب وترتيب الأوضاع بعده بما لا يجعلها امتداداً للحقبة الاستعمارية، وساد دوائر الهيمنة الغربية كابوسا مفزعا مفاده اجتياح المد القومي العربي لمنطقة الخليج بعد الانسحاب البريطاني فكان عدوان يونيو١٩٦٧ الذي أوقف هذا المد وإن تحقق استقلال جنوب اليمن وبقية دول الخليج، والدرس هنا أن أي مشروع عربي حق لابد وأن يتصادم مع المصالح الدولية المتعارضة معه، ومن هنا لابد لهذا المشروع من أن يكون محصناً من داخله لا بتأييد شعبي جارف فحسب وإنما ببنية مؤسسية تضمن سلامة مساره.
ومع أن الدعم الجماهيري الهائل مصرياً وعربياً لعبد الناصر مكنه من إعادة البناء العسكري في زمن قياسي وخوضه بنجاح حربه الرابعة ضد إسرائيل المتمثلة في حرب الاستنزاف إلا أن رحيله كان إيذاناً بتوقف مشروعه لغياب المؤسسات الحامية له مما سهل الانقلاب على هذا المشروع، وهنا يكمن الدرس الثالث وهو أن أي مشروع نهضوي عربي لا يمكن أن يستند إلى قيادة فردية فحسب مهما بلغ اقتدارها وشموخها، والمفارقة أن حرب أكتوبر١٩٧٣ التي كان ممكناً أن تكون مدخلاً لاستعادة الدور المصري أفضت إلى النقيض لسببين أولهما أن مشروع السادات للتسوية مع إسرائيل أفقده ظهيره العربي، والثاني أن الحرب تزامنت مع طفرة النفط التي أوجدت مراكز قوة جديدة في النظام العربي أرست الأساس الجديد لمعادلة القيادة فيه وهو أن زمن احتكار القيادة لدولة واحدة قد ولى بما جعل هذه المعادلة شبيهة بمثيلتها في الاتحاد الأوروبي، غير أن المعضلة أنه بينما أمكنت قيادة هذا الاتحاد بـ"ائتلافات دول" سهلها تشابه البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية فإن تجذر العمل القطري في النظام العربي والاختلافات البينة بين وحداته سياسياً واقتصادياً جعل من التوصل إلى ائتلافات دائمة للقيادة مستحيلاً، وزاد الطين بلة ما تعرض له هذا النظام في العقود الثلاثة الأخيرة من أحداث جسام بدأت بالغزو العراقي للكويت الذي قسم العرب كما لم ينقسموا من قبل وألحق ضرراً مميتاً بمعادلة الأمن القومي العربي، ووصلت للغزو الأمريكي للعراق الذي أكمل ضرباته لدولة رئيسية في النظام العربي، ووظف المتغير الطائفي والعرقي لتفتيت بنيتها الاجتماعية وحرص على نشر تأثير هذا المتغير عربياً، وانتهت بأحداث "الربيع العربي" الذي بدأ أملاً عريضا في تغيير جذري مطلوب وانتهى بكابوس تتهدد فيه الدولة الوطنية العربية ويتوحش الإرهاب ويستأسد مشروع الإسلام السياسي برعاية أجنبية، ويتغول الاختراق الخارجي عالمياً وإقليمياً على النحو الذي انتزع القرارات الرئيسية في أهم القضايا العربية من الأيدي العربية ووضعها في أيدي المتهافتين على التهام الأمة العربية، وفي ظل هكذا مشهد يحق السؤال عن أي قيادة نتحدث؟
***
يعني ما سبق أن من يتصدى لقيادة الأمة تنتظره مهمة أشق من مهمة "أوزوريس" في الأسطورة الفرعونية الشهيرة، فعليه أن يلملم الجسد العربي الممزق أولاً لا على الصعيد القومي فحسب وإنما على الصعيد القطري أيضاً، وأن يعيد الاعتبار للعروبة التي بات هناك من يعتبرها شبحاً من الماضي، وهناك حديث راهن من البعض عن القيادة لكنه حديث لا يبدو جاذباً عربياً لعجزه عن مواجهة المخاطر الجسيمة الراهنة وتلبية طموحات المخاطبين بالقيادة ناهيك بالانكفاء أمام القوى العالمية، وقد رأينا أن التغيرات البنيوية قد جعلت من قيادة دولة واحدة للنظام أمراً مستحيلاً، كما أن ائتلافات بعض الدول الرئيسية إما أنها مؤقتة أو تتعرض لمشكلات تؤثر على فاعليتها، كذلك ثبت عقم آلية التجمعات الفرعية وآخرها مجلس التعاون الخليجي الذي فقد تماسكه بوضوح نتيجة السياسة القطرية والحياد العماني والكويتي في مواجهتها، وقد تكون هناك بدايات جادة لكن الشواغل الوطنية لأصحابها لا تمكنها حتى الآن من القيادة، وإلى أن تنجح دولة أو أكثر في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية على نحو يُكسبها تأييداً جماهيرياً عربياً ويمكنها من الالتفات لمسئوليات قيادية عربية وإثبات نديتها في مواجهة الأطماع الإقليمية والعالمية سوف يبقى مشروع القيادة مؤجلاً والنظام العربي معرضاً للخطر، وظني أن النخبة الفكرية العربية تتحمل مسئولية جسيمة في هذا الظرف التاريخي القاسي أساسها العمل على إعادة الاعتبار للعروبة كإطار للمستقبل يلبي احتياجات الأمة أفضل من أي خيار آخر والعمل على توحيد القوى التي تؤمن بهكذا إطار فلم نعد نملك ترف الاختلاف الذي استنزفنا طويلاً.


 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved