أمريكا بين الكراهية والانبهار

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 30 أغسطس 2013 - 9:09 ص بتوقيت القاهرة

أدت تطورات الأحداث المأساوية التى تشهدها مصر خلال الشهور القليلة الماضية إلى إعادة اكتشاف الشعب المصرى لحجم كراهيته لأمريكا ولسياستها فيما يتعلق بالأوضاع المصرية الداخلية. ويرتكز أصل العلاقة بين المصريين وأمريكا تحديدا لموقفها الجائر تجاه حقوق الشعب الفلسطينى بالوقوف على طول الخط مع إسرائيل.

ثم جاءت ردود الأفعال الأمريكية الرسمية على تطورات الأحداث فى مصر، وما تظهره إدارة أوباما من تردد والتفاف فى وصف ما حدث بمصر كانقلاب عسكرى، أو وصفها كثورة شعبية، لتزيد من التساؤلات بين النخبة السياسية وبين جموع الشعب المصرى عن الفريق الذى تدعمه وترجحه الإدارة الأمريكية.

إلا أن موقف المصريين ليس استثناء بين شعوب العالم، فرغم تمتع الولايات المتحدة بتاريخ قصير جدا طبقا لمعايير عمر الأمم والدول حيث لا يتعدى 240 عاما، فإنه لا توجد دولة تحبها كثيرا أو تكرهها بشدة شعوب العالم مثل الولايات الأمريكية. ويثير ذلك تساؤلا حول أسباب استمرار جاذبية الولايات المتحدة من ناحية أخرى لنخب وشعوب الدول المختلفة، بما فيهم المصريون، كنموذج تعليمى وثقافى وحضارى مقبول.

•••

تعتقد المدرسة الفكرية الأمريكية أن «أمريكا» الفكرة والحدوتة عظيمة بطبيعتها. وهذا ما أشارت إليه وزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون فى كلمة لها أمام مجلس العلاقات الخارجية، قال فيها إن «العالم ينتظر من الولايات المتحدة أن تقود العالم وأن تحل مشكلاته، لذا فعليها أن تمهد الطريق لقيادة العالم فى العقود المقبلة». ثم أكدت أن حل مشكلات العالم يتطلب مؤهلات وإمكانيات ودورا «تستطيع أمريكا فقط أن تقوم به». وبعد ذلك قال باراك أوباما إن كل دول العالم تشعر بالغيرة، وتتمنى أن تكون فى مكانة وقوة أمريكا!

ويمكن للمتابع للشأن الأمريكى أن يحلل سلوكيات الولايات المتحدة، ويراها رمزا لقوى الشر المطلق، وقوة عظمى على شفا الانهيار، إلا أنه يمكن أيضا أن يراها كأمة عظيمة لو تناول أدوات تحليلية مختلفة.

يمكن أن تتمثل أمريكا لنا شيطانا كبيرا، وذلك ليس فقط بسبب سياستها الخارجية الجائرة فى الشرق الأوسط، بل بسبب الفشل الأمريكى فيما يتعلق بأسلوب الحكم، فمع أن الأمريكيين يفخرون دائما بديمقراطية بلادهم ورغم أنها حقا تعتبر أنجح الديمقراطيات فى العالم، إلا أنها تتمتع أيضا بنظام سياسى قد يكون الأكثر فسادا فى العالم. والسبب وراء عدم إدراك هذه الحقيقة هو أن الفساد هنا يكتسب الصفة القانونية. فرغم أن الأمريكيين يؤمنون بأن حكومتهم «حكومة الشعب ومن الشعب ولأجل الشعب»، فإن الواقع أكثر تعقيدا من ذلك، فهى تبدو «حكومة الشعب من جماعات المصالح ولأجل مصالح هذه الجماعات».

•••

إلا أنه يمكن النظر أيضا إلى أمريكا كأمة عظيمة تهتم بجذب أفضل العقول فى العالم من أجل الدراسة فى برامج الدراسات العليا بجامعاتها. ويمثل الطلبة الصينيون والهنود والروس العدد الأكبر من طلاب درجة الدكتوراه فى معظم برامج الهندسة والتكنولوجيا بالجامعات الأمريكية. ودائما ما تنظر الولايات المتحدة إلى المستقبل، وتقوم بمحاولات لتطبيق أحدث صيحات التكنولوجيا التى يستفاد منها عالميا فيما بعد، وشبكة الانترنت هى أكبر مثال على ذلك.

ولا تنافس الولايات المتحدة أمة أخرى فى مجال توفير الفرص الإبداعية من قبل مواطنيها القادرين والمرموقين، وقد أسس رجال أمريكيون أغنياء أعظم جامعات العالم ومؤسساته الفكرية والعلمية (هارفارد)، (ستانفورد)، (ييل)، (جونز هابكينز)، (راند)، (فورد)، (روكفيلر)، (فولبرايت) و(كارنيجى). أما (بيل جيتس) فقد تبرع بأكثر من 24 مليار دولار لصالح أبحاث الإيدز فقط. ويوجد بالولايات المتحدة أفضل مستشفيات فى العالم (كليفلاند)، (جونز هابكينز) (ماى كلينيك). وبجانب ذلك توفر الولايات المتحدة أكثر من 50% من الإنتاج الثقافى العالمى (كتب، مجلات، جرائد، أفلام، ومطبوعات وأبحاث علمية). 

أما فى مجال العلوم والآداب، فمجموع ما حصل عليه الأمريكيون من جائزة نوبل منذ أن بدأت عام 1901 يبلغ 332 جائزة أو 40% من إجمالى كل جوائز نوبل. ومن المهم ذكر أن ما يزيد على نصف هؤلاء الفائزين لم يولدوا داخل أمريكا، بل حصلوا على جنسيتها بعد هجرتهم إليها. ومن الصعوبة تصور عدم استفادة البشرية جمعاء من نتائج أبحاث هؤلاء العلماء وغيرهم. 

الولايات المتحدة حالة فريدة بحيث تجمع بين نقائض عديدة لا يصح معها أن نتعامل فقط مع القرارات الأمريكية دون النظر إلى الأسباب التى تجعل هذه الإدارة أو تلك تتبنى سياسة معينة. ومن الخطأ صياغة صورة نمطية تتجاهل زوايا وأبعادا مركبة وتفصيلية فى تلك الصورة، فالتقييم السلبى للولايات المتحدة كمصدر للكثير من أزمات المنطقة ومصر لم يحل دون احتلالها كنموذج سياسى وثقافى واقتصادى لموقع متقدم فى تقديرات الرأى العام المصرى والعربى رغم التناقضات السياسية.

•••

من هنا يثير الاستغراب والشفقة معا ما وصلت إليه قناعات مختلف القوى السياسية المصرية من إلقاء اللوم على واشنطن، مما يجعل البعض يؤمن أن كل ما يحدث فى مصر يتم تلبية لرغبات أمريكية.

من هنا رأينا هجوم «التيار المدني» عليها بسبب عدم وصف ما جرى يوم 30 يونيو كثورة شعبية. فى الوقت نفسه تلقى واشنطن لوم «التيار الإسلامي» لامتناعها عن وصف ما جرى كانقلاب عسكري.

إلا أن كل كذلك لم يمنع من القيام بعمليات تجميل سياسى فى واشنطن من ممثلى مختلف القوى السياسية المصرية. وهكذا وفى الوقت الذى تتنافس تلك القوى على من يكون أشد عداء لأمريكا من ناحية فى خطابها السياسى الداخلى الموجه لعموم الشعب المصرى باللغة العربية، تتنافس نفس هذه القوى للحصول على البركات والاعتراف الأمريكى به باللغة الإنجليزية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved