كل هذا الموت

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الأحد 30 أغسطس 2015 - 6:15 ص بتوقيت القاهرة

بين سيارة ترحيلات أبو زعبل المصرية (أغسطس 2013) وبين الثلاجة المتنقلة التى وجدت على حافة الطريق السريع رقم 2 فى النمسا (أغسطس 2015)، بينهما وبين قوارب الهجرة غير الشرعية المتحركة دون توقف بين الشاطئ الليبى والشواطئ الأوروبية الجنوبية ــ الكثير من أوجه التشابه البائسة.

يقتل الناس عبثا فى سيارة ترحيلات شرطية فى قلب القاهرة، يقتل الناس عبثا فى الثلاجة المتنقلة بين الحدود الأوروبية، يقتل الناس فى القوارب التى تلقيهم فى مياه المتوسط بدلا من أن تعبر بهم إلى شواطئ الأمان فى اليونان وإيطاليا. قتل الأبرياء هو وجه التشابه الأساسى. مقتادون من تظاهرات فى شوارع القاهرة، أسر سورية تبحث عن النجاة من جرائم الديكتاتور ومن جرائم عصابات داعش، مسيحيون نازحون ومهجرون من أماكن معيشتهم فى العراق وسوريا، تتلاعب عصابات الإرهاب وأعوان المستبدين والحكومات الطائفية بمصائرهم، جموع من الفارين من مصائر الاستبداد والإرهاب والفقر والفساد املا فى حياة جديدة.

يقتلون فتتخلص فى مصر المؤسسات والأجهزة الرسمية غير الراغبة فى ضمان إجراءات التقاضى العادل ويتخلص المجتمع الصامت على انتهاكات الحقوق والحريات من أعباء تطبيق سيادة القانون، ورفع المظالم، والحفاظ على الكرامة الإنسانية. يقتلون فيتخلص ديكتاتور سوريا الذى يعاد اليوم تسويقه إقليميا ودوليا وتتخلص عصابات داعش من عدد إضافى من سكان البلاد المنكوبة التى يتصارع المجرمون على تفريغها منهم، وحكمها دونهم، ويجبرون ملايين السوريين بجرائم ضد الإنسانية وعنف يستبيح الدماء وتخريب منظم على النزوح والارتحال. يقتلون فتتخلص منهم شبكات الجريمة المنظمة العاملة فى مجال الهجرة غير الشرعية، بعد أن يكون الأباطرة الجدد الذين حلوا محل تجار السلاح وتجار المخدرات قد تقاضوا ملايين الأموال وصنعوا الثروات من عذابات المساكين الفارين من موت يلحق بهم فى عرض المتوسط. يقتلون فيتخلص العنصريون بين المسئولين الأوروبيين وبين قيادات الأحزاب والحركات اليمينية وبين مروجى خطابات كراهية الآخر الذين يتاجرون بخوف بعض القطاعات الشعبية فى أوروبا من الأجانب وخوفهم على مستوياتهم المعيشية، ويتلاعبون بمأساة باحثين أطفال ونساء وعجائز ورجال تفرض عليهم مصائر الاستبداد والإرهاب والفقر والفساد البحث عن ملاذات آمنة بطريق البر والبحر، ويشيدون الأسوار فى وجه من يستحقون التضامن والمساعدة والتمكين من صون الحق المقدس فى الحياة.

يتشابه الضحايا، ويتشابه المجرمون أيضا. مؤسسات وأجهزة مصرية اعتادت التورط فى المظالم والانتهاكات، ولم تباعد الانتفاضات الشعبية، المطالبة بالعدل والمساواة والحرية بينها وبين قبول التوظيف لخدمة الاستبداد والسلطوية والاستخفاف، العصف بسيادة القانون وضمانات الحقوق والحريات، حكومات مجرمة كما فى العراق وسوريا لا يختلف إجرامها فى الجوهر عن إجرام عصابات الإرهاب والعنف، مافيا الهجرة غير الشرعية التى تحصد الأموال على جثث ضحايا ضعفاء جارت عليهم أوطانهم ولم ترغب فى استقبالهم الأوطان الآمنة، تنفيذيون وسياسيون عنصريون يجهلون شروط الفعل العام المسئول وينتخبون لنشرهم الخوف من الأجانب وتعويلهم المستمر على إجراءات أمنية عنيفة (تشييد الأسوار والحواجز وممارسات حبس اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين) تعصف بالحقوق والحريات.

وهم جميعا، المجرمون جميعا لا ينظرون إلى الجثث الملقاة فى مواضع تنتهك حرمة الموت بعد أن انتهك الحق فى الحياة، لا يستمعون إلى بكاء الأسر المكلومة أمام ثلاجات الموتى وأمام أماكن الاحتجاز وعويل النساء وملامح الأطفال المرتعدين خوفا أمام الأسوار والحواجز والتحصينات الشرطية وخوفهم من القتل والدمار والارتحال بعيدا عن الأوطان لم يتراجع بعد، لا يتابعون المسلوبة حريتهم وهم يرون أيامهم يسرقها التمديد اللانهائى للحبس الاحتياطى وتبرر هيستيريا الاستبداد والسلطوية الظلم المنزل بهم، وإن فعلوا سيمارسون الاستعلاء على الضحايا الذين تنزع عنهم الهيستيريا والعنصرية كل قيمة أخلاقية وإنسانية.

عالم ظالم وبائس، ونحن نتحمل مسئوليته الصمت على ظلمه ونسأل عن الكثير من بؤسه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved