لا جديد فى استراتيجية أمريكا الجديدة

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الأربعاء 30 أغسطس 2017 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

توصلت من متابعتى للنقاش الدائر فى الولايات المتحدة حول الاستراتيجية الأمريكية الجديدة للحرب فى افغانستان إلى أنها ليست استراتيجية وليست جديدة. بعبارة أخرى هى لن تغير من واقع الأمر فى أفغانستان أو جنوب آسيا شيئا مهما ولن تخفض من تكاليف الحرب وهى أيضا، وهو الأهم لا تعد بنهاية قريبة لهذه الحرب.
فهمت من النقاش أن الاستراتيجية الجديدة انتهى العمل فى إعدادها وصياغتها وكانت جاهزة للإعلان منذ شهر يونيو الماضى. حال دون إعلانها فى ذلك الحين إصرار «ستيف بانون» كبير مستشارى الرئيس على ضرورة تبنى الاقتراح المقدم منه ومن إريك برنس صاحب بلاكووتر أكبر شركات الأمن الخاص بخصوص الإحلال التدريجى للقوات الأمريكية بقوات أمن خاص، أى بقوات من المرتزقة. قيل فى ذلك الحين أن المؤسسة العسكرية ويمثلها فى البيت الأبيض الجنرال ماكماستر وفى الحكومة الجنرال ماتيس وزير الدفاع وقبل أن ينضم لهما الجنرال جون كيلى المعين حديثا لإدارة البيت الأبيض، رفضت هذا الاقتراح. فهمت أيضا أن الجنرال ماتيس وزير الدفاع كان يستطيع زيادة عدد القوات الأمريكية العاملة فى أفغانستان دون العودة إلى رئيس الجمهورية حسب الصلاحيات التى منحها له الرئيس عند اختياره أو التى انتزعها من الرئيس قبل تعيينه وزيرا. على ضوء هذا النقاش أستطيع أن أتصور أن كيلى والمؤسسة العسكرية من ورائه أرادت أن تصدر الاستراتيجية الجديدة باسم الرئيس وأن يعلنها بنفسه ليطمئن العسكريون فى الوطن وفى افغانستان إلى نوايا الرئيس ترامب، ورغبة فى تسجيل التزامه عقيدة الدولة العسكرية وحرمانه من تغيير أقواله فى شأن يهم الأمن القومى ويتعلق بحماية القوات العاملة فى أفغانستان.
***
عدت إلى وثيقة الاستراتيجية الجديدة التى قرأها فى فرجينيا الرئيس ترامب باحثا فيها عن مغزى وتجديد. افترضت مسبقا أننى سوف أجد فى الوثيقة تعريفا جديدا لأهداف الحملة الأمريكية فى افغانستان. لم أجد. كذلك لم أعثر فى الوثيقة على فقرة أو عبارة تنقل لى بالوضوح الكافى أهداف أمريكا من استمرار وجودها فى أفغانستان. تأكدت من أن المواطن الأمريكى لن يتمكن نتيجة اطلاعه على الاستراتيجية الجديدة من تقدير مسافة زمنية أو مساحة من المكاسب المترابطة تشجعه على ممارسة حقه فى توقع تاريخ مناسب لإعلان نهاية هذا الصراع. لم تتحدث الوثيقة مثلا عن شكل الهزيمة التى سوف تنزل حتما بقوات الطالبان، لا حديث عن هزيمة عدو ولكن لا حديث أيضا فى الاستراتيجية الجديدة عن نصر أو فوز. وجدت نفسى فى النهاية متفقا مع ما كتبه أحد المعلقين فقال «هذه الاستراتيجية ليست أكثر من قائمة رغبات غير متناسقة».
***
من أجل فهم أفضل للاستراتيجية الأمريكية الجديدة للحرب الأفغانية يبدو ضروريا التوقف قليلا عند الظروف التى أحاطت بإعلانها. نعرف، كما يعرف غيرنا ممن يقضون وقتا مناسبا يراقبون أداء إدارة الرئيس ترامب، أن البيت الأبيض خارج لتوه من حال انفراط، وأن رئيسا جديدا لهيئة موظفى البيت الابيض جرى اختياره لإدارة القصر الرئاسى من داخل المؤسسة العسكرية، وهى بالمصادفة وللغرابة، تكاد تكون المؤسسة الوحيدة فى الولايات المتحدة التى لم يصطدم بها الرئيس دونالد ترامب. 
لم تفاجئنى تحليلات أعربت على استحياء عن حال القلق المتراكم داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية بسبب ما تلاحظه من زيادة فى درجة التوتر الاجتماعى وتدهور العلاقات المؤسسية وانهيار الثقة بين القيادة السياسية والمؤسسة الإعلامية، وأخطر من هذا كله التردى الذى أصاب العلاقات الأمنية الأطلسية فى السنوات الأخيرة وبخاصة منذ وصل ترامب إلى الرئاسة. من ناحية أخرى بات واضحا احتمال تصاعد التوتر فى منطقة جنوب شرقى آسيا، وتكاثرت الغيوم حول مستقبل الشرق الأوسط وتوزيع النفوذ فيه. هناك أيضا ما استقر فى تقارير الاستخبارات العسكرية من أن الطالبان يجهزون أنفسهم لاحتلال كابول خاصة بعد أن اتسعت مساحات المناطق الواقعة تحت سلطتهم وبعد أن تضخمت أعداد القتلى من جنود الجيش والأمن الأفغانيين. 
***
تعتمد الوثيقة الاستراتيجية الجديدة على أعمدة ليست جديدة تماما. أعنى مثلا الانتقال من الاعتماد على مبدأ تحديد مدد للوجود العسكرى لا علاقة لها بالحال على الأرض إلى الاعتماد على مبدأ الحال على الأرض لتقدير ضرورة استمرار الوجود من عدمه. واقع الأمر يشهد بأن تاريخ الحرب فى أفغانستان كان يراعى ويمارس المبدأين فى وقت واحد. هكذا فعل الرئيس أوباما وهكذا يفعل الرئيس ترامب رغم الادعاء بغير ذلك من الطرفين. 
استندت الاستراتيجية كذلك إلى نية الرئيس ترامب المعلنة منذ الحملة الانتخابية عدم التدخل فى شئون دول أخرى تحت عنوان أو ذريعة بناء الأمة. هذه الاستراتيجية تحقق التقاء الرئيس مع المؤسسة العسكرية حول هذا المبدأ. ألمح كثيرون من المعلقين العسكريين إلى أن المؤسسة العسكرية تتمنى ألا يتدخل رئيس أمريكى فيأمر بخروج متسارع كما فعل الرئيس أوباما وهو الأمر الذى تسبب فى ضرر كبير، أو إلى التدخل فى شأن يتصل بالأمن القومى قبل استشارتها. وهو التدخل الذى كاد يتسبب فى ضرر أكبر.
هناك ميل مؤكد فى هذه الاستراتيجية نحو ضرورة فرض ضغوط على باكستان أكبر وأكثر من التى تفرض حاليا. الكل يدرك أن التهديد المتواصل أو المتكرر بقطع المعونة لم يعد يجدى مع الحكام الأجانب وبخاصة العسكريين منهم. سوف يكون أجدى وربما أسرع تأثيرا إقناع الهند، إلى حد ابتزازها، لتتوسع فى تدخلها فى أفغانستان. هناك فيما يبدو وعد من أمريكا بمساعدة الهند ضد الصين مقابل مساعدة الهند لأمريكا فى أفغانستان فى المرحلة القادمة. فى ظنى، أن الهند، بالرغم من كل إشارات الحب والود التى صدرت عن ناردنرا مودى خلال زيارته أمريكا، لن تقبل مؤسستها العسكرية الدخول فى مغامرة أفغانية كتلك التى دخلتها فى سريلانكا ودفعت فيها ثمنا عسكريا باهظا.
***
أتفهم رغبة الرئيس ترامب وبعض مستشاريه والشيوخ فى الكونجرس الخروج من أفغانستان بأى ثمن. مبررات هذه الرغبة عديدة ليس أقلها أهمية أنه لم يعد لدى أحد أمل فى قيام حكومة قوية فى كابول تتولى إدارة الدولة بكفاءة، أو أن البقاء فى أفغانستان صار باهظ التكلفة واللاشعبية فى أمريكا، ثالثا أنه تأكد استراتيجيا وعلى ضوء ما استجد فى العالم من تطورات، أن أفغانستان ليست على درجة من الأهمية تستحق كل هذه التضحيات، رابعا، أن دولا أخرى صاعدة فى النفوذ والقوة آن لها أن تتحمل نصيبا من حروب الأفغان. الإشارة إلى الصين والهند لا تفوت علينا. 
***
لا استمرار الوجود العسكرى الأمريكى فى أفغانستان مرغوبا فيه بقوة، ولا الخروج من أفغانستان نهائيا ممكنا وبسيطا وربما هو الآخر غير مرغوب فيه على اطلاقه. إلا أننا يجب أن نعرف أن الحرب فى أفغانستان صارت جزءا لا يتجزأ من العقيدة العسكرية الأمريكية، أكاد أشبهها بالعجل المقدس فى تراث العبرانيين.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved