راوية

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 30 أغسطس 2019 - 11:00 م بتوقيت القاهرة

فى السينماالمصرية هناك قرابة أربعمائة فيلم عناوينها اسماء نسائية أغلبها عربية المصدر والنطق والمعنى، بمعنى أنها قادمة من الجزيرة العربية واغلبها لنساء يعشن الحياة البدوية، وقد شغفت الممثلة كوكا بحمل تلك الاسماء فى الأدوار البدوية التى جسدتها فى افلام كانت كلها من إخراج زوجها نيازى مصطفى، عدا فيلم واحد. وهى ظاهرة لم تتكرر أبدا بعيدا عن كوكا، ولم يكن هناك تفسير لهذا، إلا أن ملامح كوكا لم تسعفها قط لأن تنجح فى أدوار بنات المدينة مثلما حدث فى فيلم «سيجارة وكاس» 1954، ومن أشهر اسماء البنات البدويات لكوكا فى السينما: عبلة ــ بثينة ــ خضرة ــ كنوزــ رابحة» و«راوية» وهو اسم الفيلم الذى أخرجه نيازى مصطفى لزوجته عام 1946، من بطولة يحيى شاهين وزوزو حمدى الحكيم، وهو فيلم لم يكن يدور فى البيئة العربية المصرية، ولكن فى الصعيد المصرى المتاخم للجبل، حيث تعيش راوية، التى تهتم جدا بمساعدة أخيها الهارب من الشرطة فتذهب إليه فى مخبئه لتقديم الطعام وبعض الخدمات، إلى أن يقوم الضابط مجدى بقتل أخيها أثناء محاولة القبض عليه، ويصاب الضابط أثناء المواجهة، ويكون من الأفضل له أن يعود إلى القاهرة، ويعيش حياة مدنية ويتفرغ للرسم، دون أن يعلم أن راوية كرست كل جهودها للانتقام منه.
من المهم جدا الكتابة عن هذه الأفلام لاعادة رؤيتها، فمن الاحداث الاولى للفيلم نعرف مصير أبطال القصة التى ستربط بين الشرطى السابق والبنت البدوية راوية بأنها سوف تقع فى غرامه حتما، وما علينا سوى مشاهدة هذه التفاصيل، المشاهدة هنا ستعيدك إلى المصدر الفرنسى الذى تهافتت عليه قصص الافلام المصرية، وهو مسرحية «السيد» تأليف الفر نسى بييركورنى التى تدور فى الحرب حول الفتاة التى قررت الانتقام من حبيبها الذى قتل أخاها أثناء مبارزة، ومن المعروف أن يوسف وهبى قدم الموضوع نفسه قبل عامين فى فيلمه «غرام وانتقام» مع الاختلاف فى التفاصيل، وقام نيازى ايضا بتقديم الحدوتة نفسها فى عام 1961 فى فيلم «دماء على النيل» فى بيئة صعيدية، وإذا كنت لديك هذه المعلومة فما عليك سوى الاستمتاع بالتفاصيل، ومشاهدة ما لم تعتد عليه، وأن ترى يحيى شاهين شابا رشيقا للغاية يختلف عمن شاهدناه فى بقية افلامه شكليا على الأقل، بالاضافة إلى خفة ظله فى أحد ادواره المضحكة القليلة، فالضابط مجدى يطلب من الفتاة الحسناء التى تحبه، وتتردد على بيته أن تتصرف طوال الاحداث على انها زوجته بهدف أنه يود استغلال البنت البدوية لرسمها فى لوحة فنية تختلف عن لوحاته الأخرى، ولأن زوزو حمدى الحكيم هى شريرة الافلام فى تلك الحقبة، مثلما حدث فى «ليلى بنت الفقراء» فإنها توافق أحيانا، وتدفعها الغيرة فى أوقات أخرى إلى أن تفرق بين راوية وحبيبها.
وهناك التزام بالمشهد الرئيس فى مسرحية كورنى، حيث تظن الفتاة أنها تسببت فى مقتل حبيبها، فينتابها الندم، وتبكى على صدره، وتقرض فيه أجمل وأصدق الشعر العاطفى، ثم تكتشف أنه لم يمت، وأن الأمر كله خدعة، فتعانقه بود شديد، وهو مشهد يحب الناس رؤية مثله كثيرا، بل يعتبر هو واحد من المشاهد التى خلدت كورنى كثيرا، وكان المفروض أن يتوج فيلم «غرام وانتقام» إلا أن البطلة ماتت فى الواقع، فماتت أيضا فى الفيلم،
ترى ما سر الشغف الشديد للفنانة كوكا بهذا النوع من الأدوار، ترى هل هى من أصول عربية، بدوية، كما هى فى جميع أعمالها أم أنه شغف خاص، فلا شك أنها كانت تطلب من المؤلفين أن يكتبوا القصص حسب رغبتها طالما أنها زوجة المخرج، والغريب أنه ليس لدينا معلومات عن جذورها، وقد امتثل لها المؤلفون دوما ففيلمها الأول «وداد» إلى جوار أم كلثوم، كما أنها مثلت فى العام نفسه 1936 فيلما أمريكيا قامت فيه بدور زنجية باسم «تاجر الملح». أى قبل أن تدخل بالتقريب فى حياة زوجها، وكان فيلمها الأخير «أونكل زيزو حبيبى» عام 1977، وبعده تم التوقف تقريبا عن عمل السينما البدوية، والصحراوية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved