محمد عبلة بدون سفارة

سيد محمود
سيد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 30 أغسطس 2022 - 7:45 م بتوقيت القاهرة

قبل أيام تسلم الفنان التشكيلى الكبير محمد عبلة وسام جوتة الذى يعد أرفع وسام تمنحه الحكومة الألمانية للفنانين الأجانب، كما أن عبلة هو أول فنانى عربى يحظى بالوسام، وسبق لى أنا كتبت هنا وقت الإعلان عن فوزه حول الدور الذى يلعبه عبلة فى الحركة الثقافية ودلالات هذا الفوز، إلا أننى أعود للموضوع لأسباب أخرى تتعلق بتراجع فهمنا على الصعيد السياسى لما يسمى بـ«الدبلوماسية الثقافية» التى تقوم بنوع من المزج أو التفاعل التكاملى بين ما يسميه جـوزيـف س. نـاى «القـوة الناعمة»soft power التى تعنى القدرة على تحقيق الأهداف عن طريق جاذبية الثقافة بدلا من الضغط والإرغام، وبين «الدبلوماسية العامة» public diplomacy التى ترعاها الحكومة، وتهدف إلى إعلام الجماهير أو التأثير فى الرأى العام فى بلدان أخرى.

وكما أوضحت فى مقالات كثيرة فإن الدبلوماسية الثقافية لم تعد ترفا لأنها تلعب دورا مهما فى تعزيز قرار السياسة الخارجية للدولة وانطلاقا من هذا الفهم حرصت أنالينا بير بوك وزيرة خارجية ألمانيا على الحضور وتسليم الوسام للفائزين، ثم تقديم كلمة حول دور الثقافة فى الحد من النزاعات والحروب، وبعدها وقفت تلتقط الصور مع حائزى الوسام وعائلاتهم كما حرص معهد جوتة بالقاهرة على إيفاد وفد رسمى يمثله للمشاركة فى الاحتفال الكبير.

وعلى الرغم من أن الإعلان عن موعد تسلم الوسام محدد منذ نحو شهرين بحيث عرف به القاصى والدانى، إلا أن أحدا من أفراد السفارة المصرية فى برلين لم يكلف خاطره بالحضور والوقوف إلى جوار الفنان المصرى الكبير والتقاط الصور معه كما فعل أفراد البعثات الدبلوماسية الأخرى مع المبدعين الذين يمثلون بلدانهم وهو موقف محبط ولا شك للفنان وعائلته.

 لا أعرف من المسئول عن هذا التقصير فى حق مواطن مصرى ووجه ثقافى مؤثر مثل محمد عبلة وأتمنى أن يجد السيد سامح شكرى وسيلة لمعالجة الموضوع لكى لا يتكرر فى المستقبل، خاصة أن عبلة قد تأثر بما حدث ووجه رسالة بالفيديو من داخل مقر الاحتفال أشار فيها للأثر السلبى الذى تركه غياب أفراد بعثتنا الدبلوماسية عن مناسبة بهذا الحجم وبنبرة تشيع بالأسى قال عبلة (كنت أتمنى أن يكون معنا أى فرد من السفارة المصرية ليشاركنا هذه المناسبة، وعلى الرغم من هذا الغياب أهدى الوسام لمصر وللفنانين الشباب فيها وأقول لهم دائما هناك أمل، ولا سبيل أمامكم سوى العمل لتحقيق أحلامكم).

 ونعرف جميعا أن ما جرى مع عبلة يتكرر كثيرا فى مناسبات من هذا النوع سواء كانت رياضية أو ثقافية أو فنية وبسببها تهدر الكثير من الفرص التى يمكن أن نعزز فيها مساحات تواجدنا على الساحة الدولية، فبينما نبالغ كثيرا فى الحديث إعلاميا عن (القوى الناعمة) نفرط فيما تمثله هذه القوى من قيم ومعانٍ على أرض الواقع.

 انظر معى كيف وجدت وزيرة خارجية ألمانيا فى جدولها الوقت للمشاركة فى حدث ثقافى مهم يخص معهد جوتة الذى يتبعها مباشرة ويعد الأداة الأهم لتأكيد حضور ألمانيا الثقافى فى العالم، وتأمل كيف أهدرنا فرصة تأكيد تواجدنا هناك واستثمار المناسبة لتعزيز فرص التبادل الثقافى لأن الثقافة أصبحت اليوم واحدة من محددات السياسة الخارجية لأى بلد. وأخيرا أتمنى من وزيرة الثقافة الجديدة الدكتورة نيفين الكيلانى أن تجد هى الأخرى وقتا كافيا لاستقبال الفنان والتأكيد من جديد على القيمة التى تمثلها تجربته.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved