السفه الحكومي.. والعته الإعلاني..!

وحيد حامد
وحيد حامد

آخر تحديث: الأربعاء 30 سبتمبر 2009 - 9:15 ص بتوقيت القاهرة

 لو كنا دولة غنية أو على الأقل ميسورة الحال لهان علينا الأمر وقبلنا به على مضض.. ولكننا دولة فقيرة وعليها دين داخلى ثقيل ثقل الجبل، أما الديون الخارجية فنسأل الله اللطف بنا، ولدينا حكومة عاجزة عن رفع قمامة المدن حتى الآن، حتى صار وجود الزبالة فى الشوارع أمرا عاديا. ومن الواضح أن هذه الحكومة تسعى لإجبار الناس على التطبيع مع هذه القذارة والتعايش معها على أنها أمر واقع يصعب الخلاص منه كما حدث مع كل المصائب التى حطت فوق رءوسنا ونشرت الفوضى والدمار الأخلاقى والحضارى، حكومة تقترض على الدوام حتى تقدر على الوفاء بالتزاماتها الضرورية.. هذه الحكومة أيها السادة انفقت خلال شهر رمضان الماضى خمسة وستين مليونا من الجنيهات إلا قليلا على الإعلانات.. وبعيدا عن أى مناقشة أو فضفضة وبداية نقدم للقارئ الكريم بيانا مفصلا حتى يكون على علم وبينة ويعمل عقله ويقرر ما هو الصواب وما هو الخطأ..


1 وزارة المالية 29.443.489 جنيها مصريا
2 وزارة النقل 11.932.500 جنيه مصرى
3 وزارة الصحة 8.840.400 جنيه مصرى
4 وزارة الإسكان 6.847.540 جنيها مصريا
5 وزارة البترول 4.528.761 جنيها مصريا
6 وزارة الأسرة 2.137.143 جنيها مصريا
7 وزارة الاستثمار 781.433 جنيها مصريا


64.511.266 جنيها مصريا

وخبراء التسويق يعرفون جيدا أن وظيفة الإعلان هى الترويج وغواية الزبون حتى يقدم على شراء السلعة، فأى بضاعة لدى الحكومة تود بيعها للناس حتى تنفق هذه الأموال التى شردت عن مسارها الصحيح وذهبت إلى محرقة الإعلانات ودخلت فى منافسة محمومة مع شركات الكازوزة والمحمول ومستشفى السرطان ومؤسسات الخير؟.. فإذا كانت الشركات تريد تحقيق أعلى نسبة مبيعات فهى تنفق من أموالها ولا شأن لها بها إلا فى أمر واحد هو أنها أزعجت المشاهد بالتكرار الممل الذى يفسد الفرجة وبدلا من أن يعشق السلعة يكرهها.. وأن تسرف مؤسسات الخير فى الإنفاق على هذه حملاتها الإعلانية البغيضة فهذه أموال الله وحق الفقراء واليتامى وإن جاز لها أن تعلن فبقدر وحساب دقيق ودون أن تعرض الفقراء على الشاشات كأنهم فى سوق للرقيق.. أما الحكومة فأمرها غريب.. وزارة المالية صاحبة النصيب الأكبر والتى انفقت على السيد «عبدالقوى» ورفاقه هذا المبلغ المستقطع من ضرائب الشعب والذى كان يمكن أن ينشئ عشر مدارس ويصلح من حال عشرة مستشفيات وكان كافيا لحل مشكلة المياه الملوثة فى القليوبية وغيرها، كان يمكن أن يؤسس لعشرات المشروعات الصغيرة التى تستوعب عددا من العاطلين.. كان.. وكان.. وكان.. الوزارة المغرورة المتعجرفة لم تفكر فى ذلك..

فكرت فى السيد «عبدالقوى» وأطلقته على عباد الله ينذرهم ويهددهم بغباء ويلاحقهم ملاحقة الضوارى للفرائس فقد أصبح الشعب المصرى كله فرائس تصوب نحوها البنادق وتنصب لها الفخاخ.. حملة «مصلحتك هذه» هى من اختصاص وزارة الإعلام بالدرجة الأولى وكان يجب أن تكون تفويهات مهذبة حسنة الصيغة فيها دعوة طيبة لدفع حقوق الوطن ودون دفع أى مليم لأن وزارة المالية هى التى تمول الإعلام.. ولكن لماذا لا نهين أهل مصر؟ وكأن الإهانات التى حاصرهم لا تكفيهم ونضع الكلبشات فى أيديهم وننذرهم بالسجن والجلوس فوق الخوازيق، إذا لزم الأمر، ويكاد الواحد منا أن يختنق من شدة الغيظ عندما يعلم ويعرف قيمة الملايين التى أنفقت وأهانت الشعب.. وأهانت الدولة نفسها وأظهرتها فى صورة الدولة التى تتعامل مع شعبها بالكلبشات..

رؤية قمعية تفرزها عقول جامدة.. ونأتى إلى وزارة المواصلات.. كانت الإعلانات تبث وهى إعلانات إرشادية ونصائح للركاب أولاد ستين فى سبعة وثمانين والمفروض أن يركبوا الحمير وبس.. ويتركوا القطارات لكل من يعرف قيمتها.. الملايين التى انفقت على هذا الكلام الفارغ كان يمكن أن تغطى حملة نظافة وتطهير تقضى على الصراصير والجرذان والعناكب والزواحف التى سكنت القطارات؟.. كان يمكن أن تصلح حال المزلقانات وأحوال عمالها.. وأيضا كان.. وكان.. وكان.. وأيضا هى توجيه إرشادى للمواطن بأن يحافظ على الملكية العامة وحثه على السلوك القويم.. كان ممكنا أن تكون بالمجان وبشكل أفضل.. لكن هيه فلوس أبونا؟!.. ولا تختلف بقية الوزارات التى أهدرت الأموال فى شىء عن المالية والنقل.. فى مجال الصحة، جميع المستشفيات فى حاجة إلى العون الإنسانى من أول حبة الدواء وحتى لفافة الشاش وزجاجة المطهر.. أيضا إعلانات إرشادية كان يمكن لتليفزيون الدولة أن ينهض بها فهو يخدم شعبا وحكومة.. ولكن للإعلان سحرا.. وللإنفاق لذة.. وللفشخرة طقوسا.. وينمو الحزن فى داخلنا وتتأصل جذوره فى قلوبنا عندما تغيب المساءلة والمحاسبة ولا أحد يسأل أحدا لماذا؟.. وكأن الوزارات أصبحت أبعديات خاصة لبعض الوزراء هم أصحابها وسادتها ولا سلطان عليهم.. لا رئيس وزراء سأل.. ولا نواب فى مجالس نيابية وجدوا فى الأمر غرابة ولا أحد اهتم لأموال الشعب المهدرة!.. واتذكر قول الرسول الكريم: «الله.. الله فيمن له غير الله».. حدث وأنا أتأمل هذه الأرقام وأبحث فى جهات إنفاقها وجدت أن قناة «القاهرة والناس» قد أصابها من خيرات وأموال الحكومة المبالغ الآتية:


وزارة المالية - 6.401.143

وزارة النقل - 4.714.200

وزارة الصحة - 2.655.557

وزارة البترول - 0.276.857

المجموع - 14.047.757

ولما كانت هذه القناة مثلها الخيمة الرمضانية.. قناة سبوبة.. ليست لها رسالة فكرية أو حتى ترفيهية وليس لها منهج وإنما هى مجرد شاشة لبث إعلانات الحكومة والمستشفى ومؤسسات الخير وبعض الحواشى الأخرى.. أما المادة الفنية والبرامجية التى كان لابد منها حتى تتخللها الإعلانات فكانت مهزلة مبتكرة وخدعة طريفة تم الترويج مسبقا لمذيعة أجنبية قالوا إنها عربية إيطالية لولبية وعلى طريقة الترويج لراقصات الموالد قالوا عنها إنها هزمت الوزير فلان وطرحت الوزير علان وهى التى تضع اللمبة على خدها تنور وعلى صدرها تنور وعلى بطنها تنور.. و.. و.. وظهرت عل الشاشة عاجزة.. مرتبكة ومحدودة وغارقة فى شبر ماء.. وبرنامج آخر للسيدة لميس الحديدى تستجوب فيه من سبق استجوابهم عشرات المرات معها ومع غيرها ونفس الأسئلة ونفس الإجابات والسخافات.. وحتى السيد اللبنانى الذى تحول من مذيع إلى صائد جرذان يبحث عن الأسوأ فى ملفات ضيوفه، فكانت قناة نميمة منفرة ثم مسلسلات تبث على قنوات أخرى. أى أنها قناة فاقدة الخصوصية ولا يوجد بها ما هو غير موجود بالقنوات الأخرى.. فلماذا وجدت أصلا؟ لا أحد يعرف.. وأى قناة هذه التى تعمل شهرا وتتوقف أحد عشر شهرا؟.. فى قانون النشر؛ المطبوعة التى تتوقف عن الصدور ثلاثة أعداد (على ما أعتقد) يلغى الترخيص.. وهنا تنطلق عشرات الأسئلة وكلها مثيرة للشك والريبة.


ما علينا.. هكذا الدنيا تسير.. وليس لنا أن نتدخل فى شئون لا نقدر على فهم مسالكها، ولكن من المؤكد أن غيرنا يفهم ويعرف هذه المسالك ويعرف كيف تسير الدنيا فى مصر المحروسة، وعليه أناشد كل من يعرف أن يخبر من لا يعرف ربما يحدث شىء لأننا فى أمس الحاجة لأن يحدث شىء.. والله المستعان..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved