تحويل الذكرى إلى استراتيجية

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 30 سبتمبر 2020 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

فى هذا الأسبوع، وإذ نستذكر موت بطل الأمة العربية وزعيم حلمها الكبير المرحوم الرئيس جمال عبدالناصر منذ خمسين سنة، فإنه من الحكمة والتقديس لهذه الذكرى الأليمة ألا نجعلها مقتصرة على الشخصنة وعلى سرد المنجزات ولا على الانغماس فى نقد الأخطاء التى ارتكبت باسم التجربة الناصرية.
طبعا، كان الرئيس ذا شخصية كاريزمية، بقدرات خطابية متميزة وبتفاعل نشط مبهر مع الملايين الذين أحبوه ووثقوا فيه وساندوه، وبضمير حساس تجاه عالم الفقراء والمهمشين والمظلومين، وبعفة تجاه المال العام، وهو الذى مات شبه معدم وشبه متصوف.
وطبعا كانت هناك إنجازات هائلة من مثل تأميم قناة السويس، وبناء السد العالى العظيم، والقضاء على الإقطاع، ومجانية التعليم فى كل مراحله، واحتضان مئات الآلاف من شباب العرب والمسلمين فى جامعات مصر، وإسناد كل حركة تحررية فى وطنه العربى وفى العالمين الإسلامى والثالث، والتزامه القومى الكامل بالوقوف فى وجه الكيان الصهيونى، وبناء قاعدة صناعية كبيرة حديثة فى القطر المصرى، وفى تحقيق أول وحدة طوعية واعدة فيما بين مصر وسوريا، وغير ذلك من المنجزات الكثيرة التى استفاد منها وساندها الوطن العربى كله.
وطبعا ارتكبت الكثير من الأخطاء أثناء مسيرة تفعيل ذلك الحلم الهائل فى واقع الحياة العربية عبر الوطن العربى كله. فالأخطاء كانت وستظل ملازمة للطموحات الكبيرة.
كل ذلك هو تاريخ حافل، له ما له، وعليه ما عليه، وسيكون دروسا وعبرا لأجيال كثيرة قادمة. أما ما نحتاج إليه الآن فهو ربط وتفاعل ذلك التاريخ باللحظة الخطرة المعقدة التى تعيشها الأمة العربية حاليا. دعنا نركز على بضع جوانب نعتبرها محورية.
أولا: بعد موت قائد تلك الحركة العروبية القومية التقدمية التحررية الكبرى، والتى هيمنت على الحياة العربية إبان الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، تراجع المد القومى وتكالبت على إضعافه فى الواقع وفى الذاكرة الجمعية العربية كل قوى الاستعمار والصهيونية والكثير من القوى الرجعية الخائفة من مكوناته التقدمية والوحدوية. وصعدت شعارات الخلاص القطرى والتركيز على الوطنى المحلى بعيدا عن مشاكل وهموم الأمة.
لكن، وبعد مرور خمسين سنة على التوجه القطرى فشل ذلك التوجه فشلا ذريعا فى انتقال أى قطر عربى إلى حالة التنمية الشاملة المستدامة فى الاقتصاد والاجتماع والثقافة وفى حماية أى قطر من تدخلات واستباحة الخارج الاستعمارى الصهيونى. وتشهد الأوضاع المأساوية التى يعيشها الوطن العربى كله حاليا على الفشل الذريع لتعايش أى قطر عربى بعيدا عن أمته العربية ووطنه العربى الكبير.
ثانيا: يثبت يوما بعد يوم، وفاجعة بعد فاجعة، وهجمة استعمارية أمريكية ــ صهيونية بعد هجمة، وتصرفا قطريا خاطئا بعد تصُرف، أن الطريق الوحيد لهذه الأمة، والذى سيخرجها من الضعف والهوان إلى القوة والمنعة ومن التخلف إلى النهوض، هو طريق وحدتها كأمة وكوطن.
ولذلك فهذا الطريق، طريق وحدة النضال والمصير والأهداف الكبرى القومية المشتركة، والذى ناضل الرئيس الراحل من أجل السير فيه، آن أوان تكملة السير فيه من خلال مراجعة منهجيات تحقق أهدافه فى الواقع العربى المتغير الجديد البالغ التعقيد من جهة، ومن خلال تجميع وتنظيم كل القوى المؤمنة بضرورة الرجوع إليه من جهة أخرى.
ثالثا ــ هذا تحد وهدف مشروع مطروح على القوى السياسية المدنية العربية المستقلة عن توجيهات وهيمنة أية جهة رسمية داخلية أو خارجية لمناقشته وإغنائه وتحويله إلى استراتيجية نضالية قومية تقوم بها كتلة تاريخية عربية، مكونة من أحزاب وجمعيات مهنية وأهلية ونسائية ونقابات عمالية وشخصيات نضالية مستقلة.
وإذا أريد لهذه الاستراتيجية أن تنجح فى تجييش الملايين، وعلى الأخص الشباب والشابات منهم، وفى جعل الاستراتيجية جزءا من حياتهم العامة، فمن الضرورى أن يرتبط شعار التوحد العربى مع شعارات الديموقراطية والعدالة الاجتماعية والاستقلال القومى والوطنى كحد أدنى ليكون منطلقا لإحداث تنمية شاملة مستدامة تطال أرض العرب كلها.
جاء الوقت لترك مواجهة التحديات الصغيرة المتناثرة هنا وهناك، فقد ثبت الاقتصار على مواجهتها منفردة ومتفرقة وبقوى متناثرة لن ينقل العرب إلى مجرى نهر العصر الحضارى المتدفق من حولنا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved