تأملات عند قبر الرسول

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: الجمعة 30 سبتمبر 2022 - 7:10 م بتوقيت القاهرة

ذهبت منذ سنوات إلى الحج محملا بحنين أكثر من ربع قرن من الأشواق الجارفة إلى بيت الله الحرام والكعبة المشرفة.
وفى الحرم المكى وجدت عجوزا من دراو بمحافظة أسوان تائهة ولا تعرف طريق العودة للفندق.. فلما سألتها عرفت أنها من نفس الفندق الذى أقطنه مع والدتى.. فعرضت عليها أن ترافقنا ساعات للصلاة فى الحرم المكى والعودة سويا للفندق.. فوافقت الحاجة فاطمة.
فقلت لها: لقد زرت الرسول «ص» فماذا قلت له عند وقوفك عند قبره وكانت من القسم الذى ذهب إلى المدينة أولا؟
قالت: قلت له فلان وفلان وفلان يسلمون عليك.. وظللت أعدد الأسماء حتى سئمت من كثرتها فقالت له: يا رسول الله «دراو» كلها تسلم عليك؟ فأعجبنى منطقها، وقلت لنفسى: هذه فكرة رائعة، لقد حملنى الكثيرون السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخشى أن أنسى بعضهم.
فلما مثلت عند القبر الشريف لرسول الله «ص» قلت له: ديروط تسلم عليك.. والإسكندرية تسلم عليك.. ومصر تسلم عليك، والمسلمون كلهم يسلمون عليك يا حبيبى يا رسول الله.
قلت ذلك بقلبى وجوارحى ومشاعرى بعد أن سلمت عليه بما ينبغى لأحب الخلق إليه من السلام، وأثنيت عليه بما ألهمنى الله من الثناء على الرسول «ص» وفاض قلبى بالمشاعر والأحاسيس فسبق لسانى كثيرا وفاقه فى التعبير، كما يحدث معى دوما.
لقد ذهبت إلى قبر رسول الله «ص» فرأيت عجبا، عشرات الآلاف يقفون فى طوابير لا تنتهى للسلام على الرسول «ص»، فقلت: ما هذا.. لعل هذا بالليل فقط.
فذهبت مرة أخرى بالنهار فإذا الزحام أشد والعدد أكثر.
فقلت أذهب ومن معى بعد صلاة الفجر فذهبت فوجدت العدد أكبر وأكبر.. ولم أستطع فى هذه المرة الوصول مع من كان من الحجاج.. مع قارية الطقس فى المدينة فى كل هذه الأوقات.
فقلت فى نفسى ما هذا الحب للرسول الكريم الذى يملأ جوانح المسلمين جميعا من كل الجنسيات بلا استثناء.
فلما تحرك الطابور نحو منبر الرسول «ص»، ثم إلى روضته الشريفة ثم إلى قبره، إذا بى أرى منظرا لا يمكن أن يتكرر فى أى بقعة فى العالم الآلاف يبكون خاشعين خاضعين، هذا يصلى على الرسول «ص»، وهذا يدعو ربه، وهذا يجهش بصوت مرتفع، وكلهم يريد ألا يتحرك من أمام قبر النبى قيد أنملة.
ولولا حدة الجنود وشدتهم فى تسيير الطابور ما تحرك أحد من أمام قبره، وكأنهم يتخيلونه أمامهم فيحبون محادثته ويشتاقون لرؤيته ويأنسون به.
وإذا تحركوا من أمام قبره تحركوا فى ضيق وحزن، وذهب بعضهم إلى باب الصديق ليدخل الطابور مرة أخرى.
يا سيدى يا رسول الله لقد رفع الله ذكرك ولن يستطيع أحد من البشر أو قوة من القوى مهما عظمت أن تخفض ذكرك.
يا سيدى يا رسول الله طب نفسا فالله الذى ساق هذه الملايين المسلمة لتسلم عليك كل عام هو الذى ثبت محبتك فى قلوبها.
وهل هناك قبر أحد يزوره الملايين رغبا وشوقا وحبا وتسليما وموالاة مثلما يحدث معك، زيارة تكون قربى إلى الله، وتعبدا له سبحانه، وإقرارا للتوحيد الذى أرسلت به.
لقد قلت لنفسى: لولا أن رسول الله «ص» عاش فى المدينة ما أصبحت لها هذه المكانة، فهى تنبع من تشريف الرسول لها، وهل جاءتها الملايين كل عام إلا من أجله.
رحم الله الأنصار الذين هداهم الله لبيعة نبيه بيعتى العقبة الأولى والثانية ليشرفوا بلدهم وأنفسهم وأحفادهم الدهر كله.
لقد رفضت ثقيف والطائف استقبال الرسول ونصرته، ولو فعلت لكان لها شأن عظيم، ولكن هيهات «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء».
وهل كان سيبنى مثل هذا المسجد العظيم فى المدينة لولا قدوم الرسول «ص» إليها.
تحية إليك يا سيدى يا رسول الله من قلب محب لك أحبك منذ بزوغ فجر شبابه وحتى اليوم.
تحية إليك يا من جمعت كل هذه الملايين على حبك العظيم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved