حروب الإنترنت فى الطريق

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الإثنين 30 نوفمبر 2009 - 9:50 ص بتوقيت القاهرة

 لا أعرف ما إذا كنا سنعيش لنشهد حروب الإنترنت أم لا؟. وإذا كتب لنا أن يمتد بنا العمر إلى ذلك العصر الذى لاحت بوادره فى الأفق، فأتمنى ألا نبلغه ونحن بحالتنا هذه. أعنى والغوغاء والمتعصبون والحمقى يمارسون نزقهم ويفرضون خطابهم ورؤاهم على المجتمع، بما يعرض مصالحه ومصائره للخطر. وهو كلام أقوله من وحى الفتنة الراهنة، خصوصا بعدما سمعت من بعض العقلاء أن التراشق والتصعيد الحاصلين فى العلاقات المصرية الجزائرية كان يمكن أن يصل إلى حد الاشتباك المسلح لو أن بينهما حدودا مشتركة، كما حدث يوما ما بين هندوراس والسلفادور فى أمريكا اللاتينية، وكانت كرة القدم هى السبب أيضا. ومن رأى هؤلاء ـ وأنا معهم ـ أن العناية الإلهية شاءت أن تتباعد بينهما المسافات، بحيث تكفلت الجغرافيا بفض الاشتباك بين الغوغاء فى البلدين.

حروب الانترنت القادمة تغلبت على المسافات وتجاوزت مشكلة الجغرافيا. إذ وفرت للمتقدمين تكنولوجيا ـ الذين نحمد الله حمدا كثيرا على أننا لسنا منهم ـ أساليب جديدة للاقتتال لم تخطر على بالنا يوما ما. صحيح أن الخبراء تحدثوا عن وقوع تلك الحروب، ولكن كلامهم ظل يؤخذ على أنه من شطحات الخيال العلمى. وشأن تطورات أخرى كثيرة، فإن ما كان خيالا فى الأمس تحول إلى حقائق اليوم، آية ذلك أن خبراء مؤسسة «مكفى» للخدمات الأمنية فى بريطانيا عكفوا على دراسة وتحليل الهجمات الأخيرة التى تعرضت لها شبكة الانترنت، وأثبتت التحريات أن دوافعها سياسية. وأفاد التقرير بأن عدة دول بدأت تعد العدة للتصدى لهذه الهجمات وشن أخرى مضادة عبر الانترنت. ونقل عن أحد المحللين الأمنيين فى المؤسسة، اسمه جريج داى، قوله إن ثمة خمس دول على الأقل شرعت فى تسليح نفسها وحشد إمكاناتها الفنية، استعدادا للتعامل مع هذا الصنف من الصراعات، وهذه الدول هى بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وكوريا الشمالية. وذكر هذا الخبير أن لدى الولايات المتحدة كتيبا عمليا يفصل القواعد والإجراءات التى ينبغى الالتزام بها فى حالة خوض حرب الانترنت. ونوه فى هذا الصدد إلى أن الأمريكيين استخدموا أساليب قرصنة أثناء حملتهم لغزو العراق.

أضاف داى أن ثمة أدلة على ارتفاع عدد الهجمات عبر الانترنت، التى يمكن تصنيفها بحسبانها من قبيل عمليات «الاستكشاف» الممهد لصراعات المستقبل. وأن السهولة التى تتسم بها عملية تجميع الوسائل التى تخاض بها تلك الحروب مثيرة للقلق الشديد. وأوضح أن خوض حرب ميدانية بالأساليب والأسلحة الحديثة المعروفة يتطلب بلايين الدولارات. ولكن حرب الانترنت لا تحتاج إلى تلك المبالغ المهولة. إضافة إلى ذلك فإن أهداف حروب الانترنت المحتملة هى البنية التحتية للدولة المستهدفة، لأن الشبكة الالكترونية أصبحت تمتزج بحياتنا اليومية أكثر فأكثر. فى حين أن الأهداف فى الحروب التقليدية محدودة وليست دائما بذلك الاتساع الذى يشمل بلدا بأكمله، فيدمر إمكاناته ويصيب الحياة فيه بالشلل.

على صعيد آخر، فإن الحرب عبر الانترنت تتمخض عن مشاكل من نوع مختلف فيما يتعلق بتحديد المهاجمين. ففى الحرب الميداينة من الممكن جدا أن تعرف السلاح الذى يستخدمه خصمك وكيف يستخدمه. لكن فى عالم الانترنت فإن هذه المهمة تصبح مستعصية للغاية.

جدير بالذكر أنه رغم أن البلدان المتقدمة بدأت تعى خطورة هذا النوع من الحروب، فإن إنشاء نظام دفاعى فعال للتعامل معها يحتاج إلى سنوات، فى حين لا تتطلب هجمات الانترنت من مدبريها سوى أشهر لتنظيمها وشنها.

للأسف، إن التقدم العلمى لا يقترن عادة بالتحضر أو التقدم الأخلاقى، بدليل أن الدولة الوحيدة التى استخدمت القنبلة الذرية لإبادة البشر هى الولايات المتحدة «الأكثر تقدما» إذ لم تتردد فى إلقائها على هيروشيما ونجازاكى أثناء الحرب العالمية الثانية، رغم علمها بأن اليابان كانت بصدد الاستسلام ولم تكن هناك ضرورة تستدعى ذلك. أرجو إذ ما قدر لنا أن ندخل ذلك العصر أن تكون صراعات المنتخبين المصرى والجزائرى قد انتهت، أو أن تكون كرة القدم قد فقدت بريقها الذى أصاب البعض بالبلاهة والجنون.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved