التدخل الأجنبى كتدريب على سيطرة الدولة

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأحد 30 نوفمبر 2014 - 8:25 ص بتوقيت القاهرة

كتب كريستوفر كوين، أستاذ الاقتصاد فى جامعة جورج ماسون، مقالا تحليليا نشر بموقع معهد ذا إندبندنت الأمريكى حول تداعيات التدخل الأجنبى فى شئون الدول التى بها اضطرابات محلية. استهل الكاتب المقال بالإشارة إلى تعليق مارك توين المتشائم والمنذر، فى مطلع القرن العشرين، حول فرضية «الجمهورية العظمى» التى تعتمد سياسة خارجية تقوم على التدخل بنشاط فى مجتمعات بعيدة: «ولكن كان من المستحيل إنقاذ الجمهورية العظمى. فقد كانت فاسدة حتى النخاع. فمنذ فترة طويلة أثمرت شهوة الغزو ثمارها التى رعاها الغزاة زمنا طويلا؛ وكان طبيعيا أن يعلمهم سحق البائسين فى الخارج، عدم المبالاة بأمثالهم فى الوطن؛ وعاش الذين صفقوا لسحق حريات الآخرين، حتى عانوا بأنفسهم نتيجة أخطائهم». يقول كوين إن التدخلات الأجنبية تمثل حقل تجارب للحكومات التى تتعرض لضغوط محلية، يتم فيه تجربة أشكال جديدة من سيطرة الدولة اجتماعيا على السكان فى المناطق البعيدة. حيث يسمح التدخل للحكومات، بالتحايل على العديد من القيود الداخلية التى تنتهى عند الحدود الجغرافية للبلاد. حيث يتيح الضعف النسبى أو الغياب الكامل للقيود الدولية لأعضاء من الحكومة التى تمارس التدخل، تطوير وصقل أساليب جديدة للسيطرة على المواطنين. فتصبح الحكومة أكثر فاعلية فى السيطرة ليس فقط على الأجانب ولكن على السكان المحليين أيضا.

•••

ويضيف الكاتب أن الرقابة الاجتماعية تستلزم قواعد تحكم السلوك البشرى. ويشير إلى ما كتبه روبرت إليكسون: «يتكون نظام الضبط الاجتماعى من قواعد معيارية للسلوك البشرى الملائم. وتطبق هذه القواعد من خلال العقوبات، التى تحكمها قواعد أخرى». ويواصل تصنيف نظم السيطرة الاجتماعية وآليات الإنفاذ فى ثلاثة «جهات تحكم» محتملة: قواعد يمكن تنفيذها بواسطة تحكم الطرف الأول من خلال فرض عقوبات شخصية (الأخلاق الشخصية). أو يمكن إنفاذها من خلال الطرف الثانى المتحكم، وهو ما يستلزم وجود طرفين يتفقان على إيجاد حلول للنزاعات المحتملة. وأخيرا، قواعد يمكن تنفيذها عن طريق طرف ثالث مثل النوادى والعائلات والكنائس، أو عن طريق الدولة. وتقع التدخلات الخارجية القسرية فى الفئة الأخيرة نظرا لأنها تعتمد على فرض الولاية والإنفاذ. فهناك طرف ثالث، يتمثل فى أعضاء من حكومة التدخل، يحاول تحقيق أهدافها من خلال ممارسة السيطرة الاجتماعية على مواطنين أجانب لتخفيف أو قمع المقاومة. ومن المعروف أن ماكس فيبر عرف الدولة باعتبارها أداة للسيطرة الاجتماعية القسرية عندما أشار إلى أن «الدولة الحديثة هى رابطة إلزامية تنظم الهيمنة»، وأنه «لا يحق لمؤسسات أخرى أو لأفراد استخدام القوة إلا بالقدر الذى تسمح به الدولة». وأكد أيضا على أهمية احتكار الدولة للقوة داخل إقليم معين. غير أنه فى حالة التدخلات الأجنبية، يمد أعضاء الحكومة قوتهم خارج حدودهم الإقليمية لممارسة الرقابة الاجتماعية على أناس يعيشون فى إقليم جغرافى مختلفة. وتستلزم التدخلات الخارجية القسرية فرض رؤية الدخيل على الآخرين، وهو ما يستتبع بالضرورة قواعد تفرض على الناس ما يمكن وما لا يمكن القيام به. هذا يعنى أن المتدخل الأجنبى يجب أن يمارس بعض السيطرة على الجماهير الآخرين من أجل تحقيق النتيجة المرجوة.

•••

ويستعرض كوين فى تحليله عدة انطباعات. أولا، أن الحكومات التى تعمل ضمن القيود المحلية القائمة على تنفيذ التدخلات الخارجية القسرية يمكن أن تؤدى إلى فقدان حريات المواطنين فى الداخل. وعارضت معظم الآراء حول القيود على الحكومة، السماح بحرية حركة مطلقة لأعضاء الحكومة خارج الحدود الجغرافية للدولة. وبمنطق التأثير يرتد، يمكن أن يكون للسيطرة الاجتماعية الخارجية عواقب داخلية قد تؤثر بشكل دائم فى تشكيل الأحداث المحلية للدولة. وفى سياق الشئون الدولية، يتمثل الانطباع الرئيسى فى أنه حتى عندما يكون التدخل الخارجى مبررا بحجة حماية الحرية فى الوطن، فإنه قد ينتهى بتأثير معاكس لتقويض ما يدعى أنصار التدخل أنهم يحمونه.

ثانيا، يسلط التحليل الضوء على أهمية نطاق أنشطة الدولة. وتركز جزء كبير من البحث فى نمو الحكومة على حجم أو نطاق الحكومة. ومع إقرارنا بأهمية قضايا الحجم، فإننا نرى أن نطاق أنشطة الحكومة مهم أيضا بالنسبة لأولئك المعنيين بالحرية والتحرر. وقد اعترف جيمس بوكانان بهذا العامل. ويعتمد تحليلنا على إظهار أن ما قد يبدو فى البداية من الأنشطة المفيدة فى الدولة (على سبيل المثال، الأمن الوطنى والدفاع) قد تكون فى الواقع مفترسة وغير منتجة من خلال تقويض حريات المواطنين المحليين. وحتى لو كان نطاق الحكومة لا يتزايد، يمكن أن تؤدى التدخلات الخارجية إلى توسع نطاق الأنشطة الحكومية فى الداخل بطريقة غير مرغوب فيها.

وعن انطباعه الأخير يرى كوين أنه يتم عادة التقليل من تكاليف التدخلات الخارجية القسرية. ويؤدى التركيز فقط على التكاليف النقدية إلى إهمال حقيقة أن التدخلات الخارجية القسرية يمكن أن يؤدى إلى تآكل الحريات محليا. ويمكن ان تكون هذه التكلفة كبيرة لأن تضييق نطاق الأنشطة الحكومية بعد توسيعها ليس مهمة سهلة. وتؤكد الأبحاث على أنه بمجرد إقامة الأجهزة الإدارية والمصالح، يصبح من الصعب للغاية تقليص عملياتها. وعلى الرغم من أنه يصعب إن لم يكن من المستحيل تقدير تكاليف فقدان الحريات كميا ونقديا، يشير تحليلنا إلى أنه سيتم التهوين من جانب التكلفة القياسى لتحليل التكاليف والفوائد من التدخل الأجنبى قسرى.

•••

ويختتم كوين المقال بقوله أن الحكومات غالبا ما تستخدم خطاب الحريات والتحرر والفضيلة، لتبرير وشرعنة التدخلات الخارجية. وتشير التسميات التى تطلقها الحكومات عادة على التدخلات العسكرية الخارجية، إلى هذا الالتزام المفترض بالمثل العليان مثل: عملية الحرية الدائمة، عملية حرية العراق، عملية الحرية الصقر، وهلم جرا. وعلى الرغم من هذا الخطاب، يشير التأثير المرتد إلى أن التدخلات فى الخارج يمكن أن يكون لها أثر، من بين أمور أخرى، فى تقويض وتآكل الحريات فى الداخل من خلال تغيير طبيعة قواعد وهيكل النظام السياسى التى تهدف إلى منع استبداد الحكومة. وكما حذر توين منذ أكثر من قرن، فإذ تقبل المواطنون وحكومتهم بارتياح «سحق حريات الآخرين»، فإنهم فى نهاية المطاف «سوف يعانون بأنفسهم نتيجة خطئهم». وسوف يبقى تحذير توين مهما إلى أن ندرك أن القيود المحلية لمنع طغيان الحكومة ينبغى أن تطبق على التدخلات الأجنبية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved