التربة التى تنبت حاتم

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الإثنين 30 نوفمبر 2015 - 11:15 م بتوقيت القاهرة

ظهر يوم السبت الماضى، وبعد دقائق من مغادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى لمكان الاحتفال بإطلاق مشروع ميناء شرق التفريعة فى بورسعيد، قابلت مسئولا أمنيا رفيع المستوى، وكان معى الأستاذ محمود مسلم رئيس تحرير صحيفة الوطن.
بالطبع كان الموضوع الأساسى هو ما يحدث فى بعض أقسام الشرطة، وحالات الوفاة التى تمت فى الأيام الماضية سواء فى الأقصر أو الإسماعيلية أو شبين القناطر بسبب التعذيب أو الرعب والإهانة.
المسئول قال إنه لا يوجد تعذيب منهجى ولا أوامر من المستويات العليا بذلك، وإن كل قطاع أو مهنة به أخطاء، ومن الظلم تحميل وزارة الداخلية بالكامل جرم هذه الأخطاء، وإن الإعلام ربما يلعب دورا سلبيا فى تضخيم هذه الأخطاء الفردية.
قد يكون كلام هذا المسئول صحيحا من الناحية النظرية، لكن المشكلة أنه ليس كذلك على أرض الواقع، لأنه فى السياسة ليس مهما «ما هى نواياك؟»، بل «كيف يستقبلها الناس؟».
المؤكد أن وزارة الداخلية لم تكن تريد أن يموت خالد سعيد بالطريقة التى مات بها فى 6 يونية 2010، لأنها لو كانت تعلم أن مقتله سيكون شرارة ثورة تهز عرشها وتحرق أقسامها، ما تسترت على القتلة، وكذلك وزارة داخلية تونس أو إدارة البلديات مع الشاب محمد بوعزيزى.
ليس مهما أن تكون هناك تعليمات عليا بالتعذيب أو تعمد إهانة الناس، المهم جدا هو المناخ الذى يسمح بذلك. الطريقة التى أظهرها الفيديو لضابط الإسماعيلية وهو يهين الدكتور عفيفى حسنى الذى مات لاحقا هى نتاج ثقافة عامة لابد أن ؟؟؟؟؟؟؟، والا فالبديل هوبـ٢٥ يناير جديدة وقريبة جدا.
والطريقة التى تعامل بها ضابط الأقصر مع طلعت شبيب فى قرية العوامية تشير إلى نفس المعنى.
إضافة إلى المناخ العام هناك طريقة تصرف الوزارة مع ضباطها المخالفين والمتجاوزين. لو أن أى ضابط أخطأ، وقامت الوزارة بالتعامل السريع والرادع معه، فسوف تصل رسالة إلى المجتمع بأنها جادة فى مقاومة التجاوزات، والأهم ستصل رسالة إلى أى ضابط يفكر فى التجاوز مستقبلا بأنه سيدفع ثمنا غاليا إذا فعل ذلك، وعكس ذلك تنطبق عليه المقولة الشهيرة «من أمن العقوبة أساء الأدب».
نعرف حال الشرطة وحاجتها الشديدة الملحة للهيكلة والإصلاح، ونعرف أن سائر القطاعات وليس الشرطة فقط، تحتاج إلى هيكلة حقيقية، لكن الواقع الراهن والمزاج الشعبى لن ينتظر حتى تتم هذه العملية.
الرسالة التى يجب أن تصل بوضوح إلى وزارة الداخلية وجميع أجهزة الحكومة والدولة هى أن الأخطاء الفردية حتى لو كانت عفوية، ستقود إلى كوارث لا حصر لها.
ضباط وجنود الشرطة يؤدون دورا كبيرا فى مقاومة الإرهاب، ويدفعون حياتهم ثمنا له، وآخرهم ما حصل فى كمين المنوات بالبدرشين يوم السبت الماضى، وخطورة ما حصل فى أقسام الشرطة أنها قد لا تجعل المواطنين يقدرون هذه التضحيات العظيمة.
فى الأيام الماضية استمعت إلى كثير من المواطنين الذين عارضوا الإخوان وتظاهروا فى ٣٠ يونيو وصوتوا للرئيس السيسى فى الانتخابات ولصالح الدستور، وشاركوا فى الانتخابات النيابية الأخيرة. هؤلاء المواطنون غير راضين عن مستوى تعامل بعض رجال الشرطة الأخيرة.
من العبث أن نقول إن الإخوان يقفون خلف كل هذه الأعمال الطائشة. الإخوان لم يقتلوا الرجل فى الأقصر أو الصيدلى فى الإسماعيلية، والذى فعل ذلك هم بعض أفراد الشرطة. لكن الصحيح أن الإخوان سوف يستفيدون من كل ذلك بصورة كبيرة. علينا أن نلوم المنفلتين من الشرطة أولا لأنهم يشتغلون عمليا لمصلحة الإخوان، سواء كانوا يقصدون ذلك أم لا. الإخوان والإرهابيون لا يحتاجون أكثر من هذه الممارسات الكارثية ليحاولوا استعادة شعبيتهم المفقودة.
الرسالة التى ينبغى أن تصل للشرطة هى ضرورة الحسم والردع العاجل مع أى منفلت، يعذب أو يهين مواطنا، وعليها أن تسأل: هل هناك ضباط داخلها يحاولون توريط النظام بأكمله مع الشعب عبر هذه الممارسات الأخيرة؟!!.
رسالة الاعتذار الرقيقة التى قدمتها الشرطة فى الأقصر جيدة جدا، وينبغى أن تكون بداية مختلفة، والأهم أن نبدأ فى تغيير الذهنية والثقافة وأن نحاكم ونقتص من كل فاسد ومستبد ومختل على غرار شخصية الأمين حاتم فى فيلم يوسف شاهين وخالد يوسف «هى فوضى»، والأهم أن نجرف التربة التى تنبته وتعيد إنتاجه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved