سويسرا تقايض الصحة بالاقتصاد!

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الإثنين 30 نوفمبر 2020 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة فورين بوليسى مقالا للكاتب جوزيف دى ويك، وضح فيه كيف تدهور الوضع الصحى فى سويسرا بسبب فيروس كورونا رغم أنها خرجت سالمة نسبيا من الموجة الأولى، وركز فى مقاله على حسابات سويسرا الخاطئة التى جعلتها تقايض الصحة بالاقتصاد... نعرض منه ما يلى.
تفوقت سويسرا على بلجيكا، وهى فى طريقها لتجاوز جمهورية التشيك، كأكبر بقعة ملتهبة فى أوروبا لفيروس كورونا. عدد الإصابات يبلغ ثلاثة أضعاف متوسط عدد الإصابات فى السويد أو الولايات المتحدة وضعفين متوسط الإصابات فى الاتحاد الأوروبى وهذا ليس بسبب الاختبارات الكثيرة. فسويسرا على قدم المساواة مع الولايات المتحدة وأوروبا فيما يتعلق بإجراء الاختبار. يبلغ معدل إيجابية الاختبار فى البلاد 27.9 بالمائة، مقارنة بـ 8.5 بالمائة فى السويد و8.3 بالمائة فى الولايات المتحدة. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن معدل إيجابية الاختبار فوق 5 فى المائة يشير إلى أن الفيروس خارج عن السيطرة.
فى الأوقات العادية، يسافر المشاهير والسياسيون فى العالم، مثل رئيس الوزراء الإيطالى السابق سيلفيو برلسكونى، إلى سويسرا لتلقى العلاج فى مستشفيات من الدرجة الأولى فى البلاد. الآن، تعرض فرنسا استقبال مرضى كوفيدــ19 السويسريين لتخفيف الضغط على مستشفيات الدولة.
ما الخطأ الذى حدث فى بلد جبال الألب المشهور ــ على نطاق واسع ــ بشوارعه النظيفة والمعروف بسلامته وموثوقيته وحكمه الرشيد؟ الإجابة بسيطة: لقد قاومت الحكومة السويسرية اتخاذ الإجراءات التقييدية اللازمة لاحتواء الفيروس. ومع ذلك، فإن أسباب هذه المقاومة أكثر تعقيدًا إلى حد ما لأن السويسريين يحجبون الدوافع الأيديولوجية التى توجه السياسة العامة.
مثل ألمانيا، خرجت سويسرا سالمة نسبيًا من الموجة الأولى فى الربيع. حيث ساعد الإغلاق الوطنى فى احتواء الفيروس. ولكن على عكس برلين، لم تنظر برن السويسرية إلى النجاح فى الربيع على أنه تشجيع على مواصلة اتباع مسار الإغلاق.
وبدلا من ذلك، بدا أن انخفاض عدد الضحايا فى الموجة الأولى يؤكد التصور السائد على نطاق واسع بأن سويسرا «حالة خاصة» ــ دولة فريدة من نوعها منفصلة عن ويلات العالم. ففى القرن الماضى، لم تعش سويسرا أبدًا حربًا أو كارثة طبيعية كبرى. وفى هذا القرن، لم يتعرض السويسريون لهجوم إرهابى، وبالكاد عانت محافظهم المالية من الأزمة المالية العالمية. بلد جبال الألب محصن ضد الأزمة العالمية ــ أو هكذا يعتقد السويسريون أنها مثال فى التاريخ.
***
لكن يبدو أن أزمة الوباء مختلفة هذه المرة. كانت أوامر الحكومة الموجهة إلى السويسريين واضحة: دعونا نركز على النهوض بالاقتصاد والعمل مرة أخرى.
بعد الموجة الأولى، خففت سويسرا من إجراءات كوفيدــ19 بشكل أسرع وأكثر من الدول الأوروبية الأخرى والولايات المتحدة. فتحت الحانات والنوادى أبوابها مرة أخرى. لم يكن هناك أى التزام بارتداء الأقنعة فى الداخل. استأنفت وكالة ترويج السياحة السويسرية حملتها على التلفزيون الفرنسى. وفى 1 أكتوبر، رفعت برن الحظر المفروض على الفعاليات.
ولكن حتى الآن، ومع اعتراف الحكومة بأن الوضع الصحى حرج، فإنها لم تجبر نفسها على فرض «إغلاق مرن» كما فعلت معظم الحكومات الأوروبية.
أحد العوائق أمام سويسرا هى الفيدرالية. فبعد الموجة الأولى، منحت الحكومة الفيدرالية أقاليم سويسرا الـ 26 الصلاحية لاتخاذ تدابير الاحتواء الخاصة بها. لكن هذه الأقاليم الصغيرة (أصغرها تغطى نصف مساحة مانهاتن) ترددت فى اتخاذ الإجراءات اللازمة. كما أن هذه الأقاليم مسئولة عن التكاليف المالية لإجراءات كوفيدــ19 التى تتخذها. لكن المشكلة الأكبر هى أن اتخاذ إجراءات أكثر تقييدًا لا يتناسب مع فلسفة الحكومة الصغيرة فى سويسرا.
أضف إلى ذلك أن سويسرا تفتقر إلى الموارد الطبيعية والأراضى الزراعية الصالحة للزراعة بسبب تضاريسها الجبلية، لذلك اعتبر السويسريون أن التجارة هى طريقهم الوحيد إلى الازدهار. ومع وجود دولة مركزية ضعيفة واعتمادها على التجارة، كان قطاع الأعمال بالتالى يسود لفترة طويلة. فمنذ عام 1848، هيمنت الأحزاب المؤيدة للأعمال التجارية على الحكومة الفيدرالية فى برن. لم يوجد حد أدنى للأجور وكان هناك قليل من حماية العمالة. غذّت الفيدرالية المالية منافسة ضريبية شرسة بين الأقاليم. وأصبحت مشاركة الحكومة فى الاقتصاد بشكل عام أمرا ميئوسا منه.
اليوم، السويسريون حريصون بشكل ملحوظ على الأنشطة الاقتصادية الشخصية. وتتصدر البلاد المرتبة الأولى من حيث ساعات العمل الأسبوعية فى أوروبا. وفى استطلاعات الرأى، يشير السويسريون باستمرار إلى أنهم قلقون فى المقام الأول بشأن تأثيرات الوباء على الاقتصاد وليس انهيار النظام الصحى. كما يقولون إنه المستشفيات السويسرية تؤجل بالفعل العمليات اللازمة، مثل إزالة الأورام لمرضى السرطان، لتوفير الأسرة لمرضى كوفيد ــ19.
***
قد يفسر هذا الاتجاه إلى ليبرالية السوق والمحافظة المالية، النجاح الاقتصادى المدوى للدولة وجاذبيتها للأعمال التجارية العالمية.
كما يفسر أيضا سبب قول وزير المالية السويسرى أولى ماورر: «لا يمكننا تحمل الإغلاق الثانى. ليس لدينا المال لذلك». حيث بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى فى سويسرا 41 فى المائة فقط فى عام 2019. وتقدر الحكومة أن الخسارة فى النشاط الاقتصادى وخطط الدعم، فى الإغلاق الأول، ستعنى أن الحكومة ستضطر إلى إصدار ديون بقيمة 22 مليار فرنك سويسرى (3 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى). وبالمقارنة، فإن ألمانيا حتى المقتصدة ماليا تستعد حتى الآن لطباعة ديون بقيمة 6.4٪ من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2020 لتمويل مكافحة الوباء.
ويدعى ماورر أن الإغلاق الجديد من شأنه أن يخاطر بالاقتصاد والمالية العامة من أجل الصحة. ويكتب المعلقون أن مهمة وزير المالية هى مراقبة الإنفاق، وليس محاربة الوباء. فى غضون ذلك، لم يقم أى حزب سياسى أو شخصية سياسية بارزة بالضغط علنا على الحكومة لفرض الإغلاق المرن.
لكن إبقاء الشركات مفتوحة قد لا يكون فقط سياسة صحية سيئة ولكن أيضًا سياسة اقتصادية سيئة. فمع بدء انتشار الخوف من العدوى، يقلص السويسريون نطاق حياتهم الاجتماعية على أى حال، كما تظهر البيانات أن المطاعم تظل مفتوحة ولكن بدون عملاء. باختصار، لا توجد مقايضة بين الصحة والاقتصاد. فلم يمنع انفجار أرقام حالات الإصابة من حدوث ارتفاع حاد فى حالات إفلاس الشركات.
ختاما، فى هذه الأزمة، قد يضطر المرء إلى التوقف عن التمتع بالحياة وإيقاف عجلة الاقتصاد وذلك كله بشكل مؤقت لأجل التعافى بشكل أقوى وأكثر صحة.
فى رسالة مفتوحة، ناشد 50 أستاذًا اقتصاديًا الحكومة السويسرية لفرض الإغلاق المرن. لكن الحكومة لا تزال مترددة. إنه التحدى الأكثر إلحاحا بالنسبة لبلد يحب العمل.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد.
النص الأصلى:
https://bit.ly/3laaJWc

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved