العودة إلى شعار الوحدة الوجودى

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 30 نوفمبر 2022 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

لم يكن مونديالا كرويا فحسب وإنما كان أيضا مونديالا عروبيا قوميا شعبيا وحدويا بامتياز. كانت الجماهير الشعبية الموحدة فى ساحات المونديال فى الدوحة تهتف بصوت واحد، فرحا وتهنئة وأملا فى المباريات القادمة وتضرعا لله العلى القدير، لكل نجاح، من قبل أى فريق كروى عربى. وكانت تلك الجماهير تعبر عن الحزن والمواساة والتشجيع وتجفيف الدموع لكل خسارة من قبل أى فريق كروى عربى.
ومن خلال تلك الزغاريد أو تلك الآهات كان موضوع احتلال فلسطين وآلام شعبها يرتفع عاليا فى السماء، لكأن الجموع أرادت أن تقول بأن آمال وآلام الشعوب العربية فى كل بقعة من أرض الوطن العربى هى نفس الآمال وذات الآلام، وأننا شعب واحد لأمة واحدة فى وطن واحد.
قد يبدو أن ما رأيناه كان مظهرا رمزيا، يبرز فى وقت محدد، إبان مناسبة مؤقتة، بعفوية لا ديمومة فيها.
لكن الأمر غير ذلك، إذ إنه الدليل القاطع على أن الانتماء لهوية واحدة سيظل يتحرك كشلال هادر عندما تحين الفرصة، وذلك بالرغم من شكوك ومؤامرات أعداء تلك الهوية.
ذلك المشهد المونديالى الكروى يجب أن لا يمر مرور الكرام بل يجب أن يعاود طرح سؤال مفصلى طرحته أجيال عربية عديدة عبر أكثر من قرن، وظل يمثل أملا للملايين وبوصلة مستقبل لهذه الأمة، وعلى الأخص لشاباتها وشبابها الواعى الحاملين للجمر فى أياديهم وللالتزام النضالى من أجل نهضة عربية شاملة فى قلوبهم وعقولهم. ذلك السؤال المفصلى هو: هل شعار وحدة الأمة شعار وجودى نهضوى ومفتاح لكل الحلول الأخرى، أم أنه حلم يقظة جميل بعيد المنال كما يدعى الأعداء والمتعبون؟
فإذا كانت الدولة العربية القطرية المستقلة قد جربت عبر عشرات السنين الاعتماد على الذات وانتهت إلى كونها غير مستقلة ولا نامية ولا مندمجة فى العصر، وإذا كانت الأنظمة السياسية العربية لا يهمها إلا البقاء فى الحكم بعيدا عن تعقيدات الخطوات القومية الوحدوية، فما الذى يبقى من طريق لتسلكه هذه الأمة من أجل أن تخرج من تجزئتها وضعفها واستباحتها وتخلفها؟ بل أكثر من ذلك: هل تستطيع هذه الأمة أن تحل مشاكلها السياسية والاقتصادية ومشاكل تخلفها العلمى والتكنولوجى خارج إطار نوع معقول من الوحدة؟
فإذا كان الجواب بالنفى فهل آن الأوان إذن لعودة هذا الشعار ليتصدر المشهد السياسى النضالى الشعبى العربى كما كان فى الخمسينيات من القرن الماضى وليقود النضال فى سبيل تحقيق كل الشعارات الأخرى التى لن ترى النور إلا من خلال تحقق شعار الوحدة الوجودى؟
لعله من قبيل الصدفة الموضحة لما نقول أن تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة بعد يومين بعيدها الوطنى: عيد وحدة أعضائها السبع الذى قاد إلى أن تصبح إمارات صغيرة فقيرة هامشية، من خلال وحدتها، دولة يشار إليها من قبل العالم كمثال فى الصعود الاقتصادى المذهل وفى إمكانياتها المتنامية إلى الدخول بقوة فى عوالم المعرفة والتكنولوجيا، وفى لعب دور سياسى متنامٍ. إننا هنا أمام درس وحدوى يهز الواقع ويبشر بالكثير وتحتاج بقية الشعوب العربية أن تتعلم من كل جوانب تطوراته الإيجابية والسلبية أيضا.
هنا نحتاج أن نستذكر الأهمية الكبرى لوجود قيادة حكيمة شهمة عروبية تؤمن بالوحدة، كما كان الحال مع المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذى كان أبرز المؤمنين بوحدة الإمارات التسع، وليس السبع فقط، وأكثر المتشبثين بقيام كيان سياسى واقتصادى واحد لها. اليوم هناك حاجة لوجود أمثاله من المؤمنين الصادقين بهوية العروبة الجامعة الموحدة ومن الذين يقلبون الأحلام إلى واقع.
هناك عدة مقترحات مطروحة فى الساحة المدنية السياسية العربية بشأن هذا الموضوع سنبرزها فى مقالات قادمة، إذ آن أوان طرح هذا الموضوع على نطاق واسع، وبموضوعية عقلانية، وروح عروبية جامعة لإقناع شباب وشابات الأمة بأن تكون الوحدة العربية على رأس كل الشعارات الثورية التى يطرحونها حاليا وفى المستقبل.
مفكر عربى من البحرين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved