ما أعسر الخروج من السلطة!

امال قرامى
امال قرامى

آخر تحديث: الثلاثاء 30 ديسمبر 2014 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

فى الوقت الذى أشاد فيه العالم بالاستثناء التونسى، والتداول السلمى على السلطة، وتحضّر الشعب باغت المرزوقى المجتمع التونسى والدولى بمواقفه المتضاربة. فبعد أن هنّأ السبسى على نجاحه فى الانتخابات تراجع المرزوقى فى اليوم الموالى، عن موقفه الداعى إلى تغليب المصلحة الوطنية على كل اعتبار حزبى، والعودة إلى البيوت فالعمل الجاد من أجل البناء. واستغل المرزوقى حماس الجماهير ليجيشهم ويوحى إليهم بأنّ الانتخابات لم تكن شفافة ونزيهة كسابقتها 2011، بل شابها الغشّ، والتزوير متهما خصومه باستعمال المال السياسى لشراء الأصوات، والتأثير فى الناخبين...ومعلنا فى الوقت نفسه، عن انطلاق حراك أطلق عليه «شعب المواطنين».

ويعتبر الإعلان عن هذا الحراك مفاجئا فى مثل هذا التوقيت، لاسيما وأنّ المرزوقى كان قد صرّح بأنه فى حالة الهزيمة سيتفرّغ للكتابة، كما أنّه توجه بخطاب تهدئة بعد اندلاع أعمال العنف فى الجنوب. غير أنّ عدول المرزوقى عن تحمّل المسؤولية السياسية كاملة له أكثر من دلالة. فالرجل بنى حملته الانتخابية على مبدأ «ننتصر.. أو ننتصر»، ومعنى ذلك أنّه لم يكن يتقبّل منذ البدء الهزيمة، والفشل، وإنّما نسبهما لخصمه. ولئن كان المرزوقى من أكثر المدافعين عن ديمقراطية الصندوق ومن المندّدين بالانقلابيين فإنّه اليوم لم يستسغ نتائج ما أفرزته الصناديق فانقلب متزعّما حراكا يقطع الطريق أمام عودة الاستبداد». ثمّ إنّ المرزوقى الذى فقد حزبه «وعوّل على «شعب النهضة» (70% صوّتوا له بالرغم من ادعاء الحزب بأنّه يقف على الحياد) اختار أن يستحوذ على هذا الرصيد من الناخبين ونسى أنّه رصيد مؤقت أعارته له حركة النهضة لمتطلبات العملية الانتخابية، الأمر الذى جعل قيادى حزب النهضة ينددون بهذا الاختراق.

•••

والواقع أنّ المرزوقى وقع ضحيّة لعبة الوهم والإيهام. فبعد أن تنكّر له أعزّ أصدقائه، والتفّ حوله عدد من الأصدقاء الجدد الذين صوّروا له أهمية الحراك والزعامة ها هو اليوم يتوهّم أنّه قادر على التماهى مع شخصيّة الزعيم، متناسيا أنّ الذاكرة ما زلت تحتفظ بأدق تفاصيل سوء إدارته للمرحلة.

ولأنّ متعة السلطة لا تضاهيها أيّة متعة، وحماس الجماهير له أكثر وقع فى النفس ها أنّ المرزوقى يسعى جاهدا إلى أن يوهم الرأى العام بأنّه لم ينهزم ولكنّه خرج من قصر قرطاج زعيما رافعا شعار النضال ضد الفساد والاستبداد، متسربلا ثوب الثائر الذى سيواصل رعاية أهداف الثورة، والمناضل الحقوقى من جديد. وليس غريبا أن يوظّف المرزوقى سردية حماية الثورة والدفاع عن القيم والاستحقاقات فقد عهد التونسيون رقصه على الحبلين.

ولكن إلى أى مدى صدّق المرزوقى أنّ حاشيته تؤمن بالفعل بقدراته، وكفاءته السياسية، وتعدّه قادرا على التجيش والتعبئة خدمة للديمقراطية؟ أليس وراء الدفع به إلى التمسّك بالسلطة حماية لامتيازات حاشية ذاقت نعيم السلطة، وحلاوتها، وبريق الأضواء؟ إلى أى مدى صدّق المرزوقى أنّ الجماهير الحاضرة فى الساحات ستبقى وفيّة، تسانده فى الحراك إيمانا بحلم تحويل الشعب إلى مواطنين أحرار؟

•••

من الواضح أنّ المرزوقى قد أصغى إلى حاشيته التى صوّرت له أنّ الطريق إلى قصر قرطاج ممكن من خلال تكوين «حراك شعب المواطنين»، فاستهوته الفكرة، ووجدت فى نفسه كلّ الهوى فراح يتدرّب على لقاء الجماهير، ينهل من معين الشعبوية فيغيّر مضمون الخطاب مثلما يغيّر الهندام، يرقص، ويجيّش، ويوظّف كلّ حركات الجسد من غمز، ورفع للأيدى، وتحريك للحواجب، أقرب طريق للتأثير فى نفوس المكدودين، والمحبطين، والمهمّشين أن توهمهم بأنّك منهم، وألا فجوة، ولا مسافة فاصلة بين الحاكم والمحكوم. ولكن أنّى لمن أهدر أموالا طائلة فى التجوال من بلد إلى آخر ومن مأدبة إلى أخرى أن يقنع الجائعين بأنّه عاش سنوات على الكفاف؟

ليلعب المرزوقى دور البطل، وليتدرّب على أداء دوره بكلّ حرفية ومهنية مستغلا الركح المتاح، ولينفّذ تعليمات المخرجين، ولكن قد تتدخّل النهضة فى كلّ وقت لتثبت للبطل أنّه لم يكن إلاّ كومبارس لجأت إليه لدواعى الحكم، ومقتضيات العملية السياسية، أعارته ناخبين فتوهّم أنّه يملك مليون تابع ومحبّ.. قد تتدخّل لتقول له: انتهى زمن الزعماء والأبطال.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved