أحاديث الحرب فى الربع ساعة الأخيرة

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الأربعاء 30 ديسمبر 2020 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

قرب مغادرة الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته «دونالد ترامب» مكتبه فى البيت الأبيض تصاعدت أحاديث الحرب فى الأفق الإقليمى المأزوم، كأن انفجارا مدويا يوشك أن يحدث.
هناك حالة تعبئة بحركة السلاح والدبلوماسية لتوريط إيران بالاستفزاز فى مواجهة عسكرية مع القوات الأمريكية تربك حسابات الرئيس المنتخب «جو بايدن» قبل أن يتسلم منصبه فى (20) يناير المقبل.
أسوأ ما قد يحدث الوقوع فى الأفخاخ المنصوبة، التى تستهدف تكريس صورة «العدو الإيرانى»، الذى يهدد أمن الخليج ويثير الفوضى فى أنحاء الإقليم فيما «الصديق الإسرائيلى» يحمى بالتطبيع ويتصدى بالسلاح مدعوما من إدارة «ترامب» فى الربع الساعة الأخيرة.
استدعاء الحرب بالدعاية لا يعنى أنها واقعة بالضرورة.
الأجواء مقصودة بذاتها لتسويغ التطبيع مع إسرائيل بالتخويف فى مواجهة «العدو المشترك»، وتقبل تمدد أدوارها على خرائط الإقليم كقيادة معتمدة له من أطراف عديدة فيه.
أجواء الحرب قد تغنى عن الحرب نفسها فى إثارة اعتراضات وعوائق توقف التوجه المعلن لإدارة «بايدن» فى العودة إلى الاتفاق النووى، الذى أبرم عام (2015) قبل أن يلغيه منفردا «ترامب» بعد ثلاث سنوات دون اعتبار للدول الكبرى الأخرى، التى وقعت عليه.
نحن أمام حالة تصعيد على الحافة، قد تفلت حساباته.
بالنسبة لرجل بمواصفات «ترامب» لا يمكن استبعاد أى احتمال.
لم يحدث من قبل أن أقدم أى رئيس أمريكى على ممارسة الحد الأقصى من السلطة فى الربع الساعة الأخيرة من حكمه، لا امتنع عن الاعتراف بشرعية الانتخابات الرئاسية، ولا منع عن خلفه أثناء المرحلة الانتقالية المعلومات العسكرية عن تحركات القوات وأهدافها.
كان ذلك داعيا للتساؤل على نطاق واسع عما إذا كان مقصودا من إخفاء المعلومات العسكرية عن الرئيس المنتخب مفاجئته بما قد يحدث، حجمه وحدوده.
حاول «بايدن» أن يجيب على ذلك التساؤل بالتأكيد على أولوية إعادة هيكلة السياسات الخارجية والدفاعية، كأنه ينذر بعواقب إخفاء المعلومات العسكرية عنه.
على مدى دورة رئاسية كاملة امتنع «ترامب» عن أية مغامرات عسكرية، ومال إلى سياسة العقوبات والإفراط فيها، أو مقايضات المال مقابل الأمن فى منطقة الخليج.
ما الذى يدعوه للانقلاب على خياره فيما هو يوشك أن يغادر منصبه بعد ثلاثة أسابيع؟!
لا يوجد تفسير غير قدر النفوذ الصهيونى عليه طلبا لأوسع تطبيع مع الدول العربية وأشد حصار على إيران.
«بنيامين نتنياهو»، المأزوم داخليا فى إسرائيل، والمرجح أن يخسر رئاسة الحكومة فى انتخابات الكنيست المقبلة، صاحب المصلحة الأولى فى دفع الحوادث إلى الصدام المسلح مع إيران، بتزكية يصعب استبعادها مطلقا من حليفه «ترامب».
هذا هو الاتجاه الرئيسى فى أحاديث الحرب المتصاعدة حولنا.
يمكن أن تأخذ الحرب صورة عمليات عسكرية واسعة، بذريعة أو أخرى، فى غزة رغم الهدنات المعلنة، كما لو أنها عملية ترهيب لأية قوة تمانع فى بدء «الحقبة الإسرائيلية» فى الشرق الأوسط.
على الحافة بين ادعاءات السلام وأحاديث الحرب تتبدى مفارقة عبثية تضفى على إسرائيل ما لا تستحقه من قوة وتنزع عن الفلسطينيين أدنى حقوقهم السياسية والإنسانية وتأخذ من العالم العربى ما تبقى من احترامه لنفسه.
حينما يتولى «بايدن» سلطة الحكم فى الولايات المتحدة، قد تتغير المقاربات دون مساس بقواعد اللعبة.
ما حققه «ترامب» سوف يجرى الحفاظ عليه ودعمه بلغة أكثر دبلوماسية وكفاءة فيما تظل سيناريوهات الصدام ماثلة فى المكان بلا سلام أو شبه سلام، دون أرض أو بعض أرض!
فيما هو محتمل أن تتصاعد أدوار الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» فور تولى «بايدن» مقادير السلطة فى الولايات المتحدة.
كلا الرجلان يحتاج إلى الآخر.
فى القضية الفلسطينية قد يتبنى الرئيس الفرنسى مهمة إعادة تأهيل الفلسطينيين للعودة إلى موائد التفاوض تحت سقف «صفقة القرن» دون عنوانها، كأنه طريق ملغم آخر إلى التطبيع المجانى.
بذات القدر فإن «بايدن» فى حاجة إلى جسر فرنسى لترميم علاقاته الاوروبية وتصحيح الاختلالات الفادحة التى تسبب فيها «ترامب» داخل التحالف الغربى، الذى تقوده الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.. و«ماكرون» فى حاجة إلى غطاء أمريكى يعزز موقفه فى أزمتى ليبيا وغاز شرق المتوسط مع الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان».
الأكراد أزمة ثالثة مرشحة للانفجار فوق الأراضى السورية، «بايدن» شأن «ماكرون» يؤيد الأكراد، فيما يراهم «أردوغان» خطرا على الأمن القومى التركى يستدعى الاستئصال!
معضلة «بايدن» أنه قد يجد نفسه بين خيارين متناقضين، إذا تماهى مع الموقف الفرنسى فإن شروخ حلف «الناتو» مرشحة للتفاقم واندفاع تركيا لدخول حلف استراتيجى مع موسكو محتمل، وإذا وقف فى منتصف الطريق فإنه يفقد الدور الأمريكى ما تبقى له من هيبة نفوذ وصلابة تحالفات.
الاحتكام للسلاح مستبعد فى أزمة غاز شرق المتوسط، لكنه لا يمكن استبعاد نشوبه مجددا فى الأزمة الليبية، التى تنطوى على تعقيدات يصعب تجاوزها بقفزات فى الهواء تحت مظلة الأمم المتحدة.
بتوقيت متزامن أعلن القائد العسكرى الليبى «خليفة حفتر» أن قواته على وشك حملة عسكرية جديدة لطرد «المستعمر التركى» فيما رد عليه من طرابلس وزير الدفاع التركى «خلوصى أكار» مصحوبا برئيس الأركان وقادة جيشه أنه لا مكان لـ«حفتر» فى أية عملية سياسية مقبلة!
كانت تلك أجواء حرب قد تستأنف رغم ما تبدى من تقدم فى العملية السياسية أفضت أخيرا إلى نجاح تبادل المحتجزين من الجانبين برعاية أممية.
فيما يبدو أنه تطور جوهرى مدت جسور جديدة بين القاهرة وطرابلس بزيارة وفد أمنى مصرى رفيع للعاصمة الليبية لأول مرة منذ ست سنوات.
كانت تلك مقاربة جديدة ومتماسكة فى النظر إلى الأزمة الليبية وضرورات الانفتاح على جميع أطرافها المتصارعة بحثا عن حل يضمن سلامة الأمن القومى المصرى ووحدة التراب الليبى معا.
تبدت فى المشهد المستجد تساؤلات حول الدور التركى فى ليبيا، حدوده ومستقبله.
هناك ما يؤشر على رغبة تركية فى وصل العلاقات مع مصر واستبعاد أية سيناريوهات حرب بين البلدين فوق الأراضى الليبية، لكنها تعمل فى نفس الوقت على تمديد وجودها العسكرى فى ذلك البلد العربى، بزعم أنه «شرعى» ــ على ما قال وزير خارجيتها «مولود جاويش أوغلو» فى موسكو قبل أيام، التى لم تبد هذه المرة أية ممانعة معتادة رهانا على تطور العلاقات مع أنقرة.
بقوة الحقائق فهناك منازعات استراتيجية إقليمية ودولية فى ليبيا، لا «بايدن» بوارد تجاهلها ولا «ماكرون» مستعد أن يتخلى عن مصالحه فيها، ولا الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» سوف يخلى مواقعه، وهكذا باقى الأطراف الدولية والإقليمية المتداخلة.
فرضية التسوية السياسية للأزمة الليبية معلقة على حسابات متعارضة، وقابليتها للانفجار ماثلة.
لا تفكيك الميليشيات متاحا بأى مدى منظور، ولا استعادة الرشد فى السياسة التركية ممكنا فى ظل سياساتها الحالية.
التسوية هشة لكنها ليست مستحيلة.
إذا ما أفلتت التسويات المفترضة فإنها الحرب مرة أخرى.
من إيران إلى غزة إلى ليبيا تتواتر أحاديث الحرب دون أن يكون أمامنا مرفأ سلام، أو شبه سلام يضمن أن تعود الحقوق إلى أصحابها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved