كيف نعود إلى أفريقيا؟
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
السبت 31 يناير 2015 - 8:15 ص
بتوقيت القاهرة
فى شهر واحد زار اثيوبيا ٢٦ وفدا مصريا مختلفا، المعلومة على عهدة السفير المصرى فى اديس ابابا، محمد ادريس وقالها خلال حفل استقبال أقامه للوفد الاعلامى المصرى الذى كان يغطى فاعليات قمة الاتحاد الافريقى مساء الاربعاء الماضى فى مقر سكنه وحضر جزءًا منه وزير الخارجية السفير سامح شكرى.
قبل ذلك زرت إثيوبيا برفقة الوزير محمد كامل عمرو وبعض الزملاء الصحفيين فى يونيو ٢٠١٣. ووقتها كانت العلاقات فى أسوأ مراحلها بسبب مؤتمر مرسى الشهير الذى هدد فيه الحاضرون إثيوبيا على الهواء مباشرة.
هذا الحادث استغلته اثيوبيا بمهارة وظل التلفزيون الحكومى يكرر إذاعته لأكثر من اسبوعين كى يقنع شعبه ان مصر دولة عدوانية تريد قتلهم وتدمير بلادهم ما يسهل له لاحقا الاسراع فى بناء سد النهضة.
مدة مؤتمر مرسى استمرت دقائق قليلة لكنها احتاجت كل هذه الشهور لإصلاحها، وللموضوعية لم يكن هذا المؤتمر السبب الوحيد فى الازمة. اعضاء السفارة وقتها كانوا يشكون من ان المصريين الذين يأتون من القاهرة يكتفون بالتقاط الصور التذكارية ويعودون للقاهرة دون ان يشعر الاثيوبيون بهم والأهم دون ان تكون هناك نتائج على الارض.
ادريس وصف هذه الطريقة بأنها تشبه الكارت البوستال، اى التقاط صورة خلف أثر كبير مثل الهرم مثلا دون ان نتأمل فى اهمية هذا الاثر وقيمته وتاريخه وان نحافظ عليه.
وقتها ايضا شكا بعض الدبلوماسيين من ان علاقتنا صارت سطحية مع الافارقة لدرجة انه لا توجد علاقات صداقة شخصية بين المسئولين ونظرائهم الافارقة، مما يزيد الجفوة ويمنع حل الكثير من المشاكل عبر هذه القناة الحميمية خلافا لما كان موجودا ايام الزعيم الكبير جمال عبدالناصر رحمه الله.
الواقع المؤسف نعرفه جميعا ولذلك الافضل ان نتكلم عن المستقبل. لا توجد وصفة سحرية تعيد للمصريين مكانتهم القوية فى افريقيا عموما واثيوبيا خصوصا لأن الدنيا كلها تغيرت لكن هذه العودة ليست مستحيلة كما يؤكد المصريون المقيمون هنا.
هؤلاء عددهم نحو ٢٥٠ مصريا ٦٨ منهم يعملون فى شركة المقاولون العرب ويلعبون دورا قوميا شديد الاهمية والباقى اطباء وعاملون فى الاتحاد الافريقى وبعض رجال الاعمال.
العلاقات الاقتصادية مهمة الغاية، وكما قال لى رجل اعمال لو ان لمصر مثل ما للصين من استثمارات ما فكرت اثيوبيا فى بناء سد النهضة.
لكن القضية ليست فقط استثمارات وانشاءات بل هى فى الاساس مسألة ثقة واحساس وتقدير.
كل المطلعين على ملف أزمتنا مع القارة السمراء يقولون ان السبب الجوهرى فى تردى علاقتنا معها يعود إلى احساس الافارقة بأننا نتعالى عليهم وننظر اليهم نظرة عنصرية متعالية، كما كان يفعل معنا الاستعمار الغربى.
هذا الاحساس لا نشعر به نحن المصريين لأن من يمارس سلوكا عنصريا لا يعرف انه عنصرى.
تخيلوا ان كثيرا من الاشقاء السودانيين اخوتنا فى العروبة والدين والعادات كانوا يشعرون بأننا عنصريون معهم فكيف يكون شعور بقية الافارقة المختلفين معنا فى العرق والدين والعادات؟!
قلت هذا الكلام لمسئول مصرى بارز جدا فقال انه صحيح تماما وكان شديدا وملموسا ايام حسنى مبارك لكنه ليس من اختراعه وحده بل يعود إلى سنوات طويلة مضت ويمكن ان نلمحه مثلا فى التنميط الذى تمارسه السينما المصرية من دون وعى حينما تسجن الأسود داخل وظيفة البواب او الخدام.
يضيف المسئول ان القاهرة بدأت فعلا فى العودة لأفريقيا وتدرك تماما اهمية هذا العامل النفسى لكنها تدرك ايضا انه يحتاج إلى وقت طويل حتى يؤتى ثماره.
إذن، لابد ان تبدأ مصر فى تغيير المدخل السيكولوجى مع افريقيا، اضافة إلى وصفة متنوعة سوف نتحدث عنها لاحقا اذا كان فى العمر بقية.