مستقبل النظام الدولي الليبرالي في عهد ترامب

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الثلاثاء 31 يناير 2017 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة دراسة ل"كارن أبو الخير"- مستشار التحرير بمجلة السياسة الدولية بمؤسسة الأهرام- حول مستقبل وملامح النظام الدولي الليبرالي عقب تولي الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، والتي تؤثر على الساحة الدولية واستقرارها بشكل عام، إضافة إلى العوامل التي قد تؤثر على ترامب إزاء ادارته وسياساته الجديدة التي ينتوي انتهاجها.

تستهل الكاتبة الدراسة بالإشارة إلى أن النظام الدولي الليبرالي –الذي قد تشكل عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، الذي بدأ ينهار أمام أعين الكافة نتيجة لعوامل عديدة يأتي أهمها في تراجع قوة وتأثير الغرب على الساحة الدولية وانتشار الصراعات المسلحة وتراجع اقتصاد السوق لدى قطاعات مجتمعية عريضة لمختلف دول العالم، إضافة إلى الأزمات السياسية الداخلية المترتبة على تصاعد التيارات الشعبوية في كثير من البلدان الديمقراطية الليبرالية.

كما يعتبر البعض أن انتخـاب ترامـب يعد إضافة جديدة إلى ملامـح الأزمة التـي يعانيهـا النظـام الدولـي، وأنه لاشـك في أنـه سـيضيف قدرا جديدا مـن عـدم الاسـتقرار إلى أحـوال هـذا النظـام؛ فترامـب هـو أول رئيـس أمريكـي منـذ عقـود لا يتبنـى رؤيـة النخبة السـائدة عــن أهميــة النظــام الدولــي الليبرالــي للمصالــح الأمريكيــة، فلــم يعبـر مرشـح رئاسـي واحـد مـن قبـل عـن تشـككه فـي جـدوى أو شـروط أو اسـتمرارية تحالفـات الولايـات المتحـدة الخارجيـة، بعكس ترامــب الذي عبــر مــرارا وتكرارا في أحاديثه وخطاباته المختلفة قبل توليه رئاسة البلاد، أن كل التزامـات وتعهـدات الولايـات المتحـدة أصبحت مطروحــة لإعــادة التفــاوض. كل ذلك إضافة إلى الصفات التي تميز شخصية ترامب؛ كالتقلب والرغبة في مفاجأة الآخرين بدلا من الإعلان الصريح عن نواياه، ولا شك أن ذلك كله قد أدى إلى حالة من عدم اليقين الحاد بشأن مستقبل النظام الدولي الليبرالي في عهده، حيث الوصول إلى وضع تغيب فيه القدرة على التنبؤ بالاحتمالات المستقبلية باستخدام وسائل القياس المعتادة. وفقا لما مضى فهناك صعوبة في توقع مستقبل التفاعلات الدولية في المرحلة القادمة، فحتى الملامح الأولية للنظام الجديد تحيطها العديد من الاحتمالات بشأن مساراتها وقابليتها للتحقق على أرض الواقع.

***

فيما يتعلق بسياسات ترامب وبخاصة على الصعيد الخارجي، فمن المتوقع أن يكون للعوامل الداخلية تأثير كبير عليه مما يعكس بدء دخول مرحلة جديدة من صعود القومية وانحدار الليبرالية الدولية. ويرجح ذلك إلى أن نجاح ترامب من البداية قد جاء لتصاعد تأثير شرائح مجتمعية تتبنى رؤية مختلفة تماما للعالم عن تلك التي قد سادت دوائر النخبة في العقود السابقة. يذكر الكاتب "روبرت ميري" في ذلك السياق بمقاله المعنون "كيف أحل ترامب التوجه القومي محل التوافق الأمريكي على العولمة؟" أن الرؤية التي كانت سائدة بين النخبة الأمريكية "المعولمة" كانت تستند إلى عدة مبادئ رئيسية يأتي على رأسها الإيمان بالنظام العالمي أحادي القطبية الذي تقع في قلبه الولايات المتحدة بصفتها الدولة التي لا يمكن الاستغناء عنها، وتذهب هذه الرؤية إلى تراجع أهمية الدولة القومية وما يرتبط بها من حدود مقابل تصاعد دور المنظمات الفوقية التي تضم العديد من الدول كالاتحاد الأوروبي، وأن أهمية الهوية القومية تتراجع أيضا في مقابل التركيز على حقوق ومظلومية الأقليات العرقية أو الدينية، إضافة إلى إمكانية إدماج المسلمين في المجتمعات الغربية دون أي إضرار بطبيعة هذه المجتمعات، وأما على الصعيد الاقتصادي فتذهب هذه الرؤية إلى أن التجارة الحرة ضرورة حيوية لتحقيق الرخاء العالمي.

في المقابل فقد جاء ترامب إلى السلطة بدعم من شرائح مجتمعية تُعلي من قيم القومية وترى أنها يجب أن تكون في قلب النظام وحاكمة لكافة سياساته، حيث ترى هذه القطاعات أن التركيز على الهويات الفرعية خلال السنوات المنصرمة قد قوَّض من التماسك القومي وهدد حرية التعبير، وأنه قد أصبح من غير المعقول توجيه اللوم أو النقد على أسس يمكن أن تفسر بأنها عرقية أو أثنية أو دينية. وتؤمن هذه الشرائح المجتمعية بأهمية حماية الحدود التي بدون الدفاع عنها تختفي الدول، كما ترى أن التجارة الحرة قد أضرت بالطبقة الوسطى وقوَّضت البنية الصناعية الأمريكية. وأما بالنسبة للسياسة الخارجية فإن تجربة الولايات المتحدة في تغيير النظم أو محاولة إعادة بناء الدول في الخارج فقد كانت فاشلة تماما، وبينما يجب أن تتفاعل الولايات المتحدة مع العالم فلا يحب أن تحاول الهيمنة عليه، وبالتالي فمن المنتظر أن تدشن عهدا جديدا من العلاقات الدولية تهيمن فيه القيم والتوجهات القومية على حساب تراجع سياسات نشر القيم الليبرالية.

إجمالا يعكس فوز ترامب أن ملايين الأمريكيين قد توافقوا حول أن الخطر الحقيقي الذي يهدد البلاد يتمثل في النخبة الحاكمة من الحزبين، التي تبنت الرؤية الليبرالية المعولمة والتي طبقت سياسات أضعفت البلاد سياسيا واقتصاديا، كما فشلت في حماية حدودها وأقحمت الولايات المتحدة في معارك فاشلة في الشرق الأوسط، إضافة إلى موافقتها على اتفاقيات تحرير التجارة التي أضرت بالطبقة الوسطى.

تجدر الإشارة هنا إلى أن ذلك العداء للنخب الليبرالية -الذي أتى بترامب إلى السلطة- ليس بالولايات المتحدة وحدها، بل قد امتد أيضا إلى دول غربية ديمقراطية ولكن ظهرت هذه التجليات بنسب متفاوتة، كفرنسا وإيطاليا وألمانيا واليونان.

***

في سياق آخر فقد ألمح الباحث السياسي الأمريكي "هنري كيسنجر" في حديث عقب الإعلان عن فوز ترامب، إلى مخاطر عدم اليقين بشأن السياسات التي سوف يتبعها ترامب، وأن التخوف الأكبر يتمثل في ردود أفعال الدول الأخرى التي ستأتي تحت تأثير صدمة انتخاب ترامب، حيث أن هذه الدول ليس لديها رؤية واضحة حول توجهات ترامب والسياسات التي سوف تتبعها إدارته، خاصة مع تصريحاته التي تثير القلق الشديد لدى الحلفاء والمنافسين على حد سواء، إضافة إلى عدم اليقين من القرارات التي سيتخذها نتيجة لعوامل ترتبط بشخصيته، فيراه مثلا "فرانسيس فوكوياما" من أقل الشخصيات ملائمة لتبوء منصب الرئيس، خاصة فيما يتعلق بعدم قدرته على تقبل النقد، فضلا عن عدم معرفة ردوده خاصة فيما يتعلق بالساحة الدولية؛ هل ستكون محسوبة أم متجاوزة؟

تختتم "أبو الخير" بأنه إجمالا يمكن القول أن تراجع الولايات المتحدة فيما يتعلق بتمسكها بدورها الدولي وتعهداتها لحلفائها قد يؤدي –وفقا للعديد من المحللين- إلى تراجع مصداقية قدراتها على الردع وهو ما قد ينقل النظام الدولي من حالة يسودها التنافس السلمي إلى حالة الصراع المسلح بين القوى العظمى.

النص الأصلي:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved