غصن أردوغان المسموم

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 31 يناير 2018 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

لم يكن اسم العملية العسكرية التى تشنها القوات التركية داخل الأراضى السورية «غصن الزيتون» سوى دليل جديد على ما يعانى منه الرئيس التركى رجب طيب أدروغان من انفصام حاد فى الشخصية وتناقض فج بين الأقوال والأفعال، شأنه فى ذلك شأن كل الحكام المستبدين الذين ابتليت بهم أغلب الشعوب العربية والإسلامية.

ولو لم يكن الرجل الذى يحكم قبضته على السلطة فى تركيا منذ أكثر من 16 عاما سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مريضا بهذا الانفصام الذى هو سمة أساسية فى أغلب المستبدين على مدى التاريخ لما اختار «غصن الزيتون» رمز السلام فى العالم ليكون اسما لعملية عسكرية تستهدف مدينة سورية بها من المدنيين والأبرياء بالتأكيد أكثر مما بها من المسلحين الأكراد الذين يقول إنه يستهدفهم.

هذا الاسم وهذا العدوان العسكرى ليس الدليل الوحيد على انفصام شخصية أردوغان وربما نفاقه لأنه يقول دائما ما لا يفعل. فالرجل الذى يملأ الدنيا ضجيجا بالحديث عن الديمقراطية والحرية هو نفسه الذى اعتقل أكثر من 40 ألف شخص وفقا لبيانات حكومته بدعوى المشاركة فى محاولة الانقلاب الفاشلة التى شهدتها تركيا فى صيف 2015. والرجل الذى يتحدث بلا كلل أو ملل عن حقوق الإنسان هو نفسه الذى عزل أكثر من 145 ألف موظف ورجل جيش وشرطة وقاضٍ من وظائفهم وشردهم بدعوى ارتباطهم بخصمه السياسى فتح الله جولن. وهذا الرجل الذى يقدم نفسه باعتباره حامى حمى الإسلام وقيمه النبيلة ومحرر القدس المحتلة المنتظر هو الذى يشن حربا عنصرية طائفية بغيضة على الأقلية الكردية فى بلاده ويحرمها من حقوقها الأساسية، متجاهلا حقيقة أن القائد المسلم محرر القدس من الصليبيين الذى يتمسح فيه، صلاح الدين الأيوبى، كان كرديا ولم يكن تركيا.

وهذا الرجل الذى لا يكف عن الكلام عن حرية التعبير والإعلام هو نفسه الذى جعل من تركيا أسوأ مكان للصحفيين فى العالم بحسب اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، حيث وصل عدد الصحفيين الذين اعتقلهم أردوغان إلى 73 صحفيا تتصدر بهم تركيا قائمة دول العالم الأكثر اعتقالا للصحفيين.

وإذا كانت هذه هى الجرائم الموثقة والكبيرة التى ارتكبها أردوغان، فإن ممارسات الرئيس التركى الاستبدادية التى تتناقض مع كل ما يردده من كلام أجوف، وصلت إلى حد التنكيل بمنافسيه وحتى بمعارضيه من داخل حزبه كما حدث مع وزير خارجيته السابق أحمد داوود أوغلو ورئيس تركيا السابق عبدالله جول.

وإذا كان أردوغان هو النموذج الأشد فجاجة للحاكم المستبد المصاب بهذا الانفصام الحاد بين أقواله وأفعاله، فهو ليس إلا نموذجا لأغلب حكام العالمين العربى والإسلامى حيث يجيدون الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والانتخابات التنافسية وحرية التعبير، والدفاع عن الأرض والعرض، فى حين أن مشروعهم القومى دائما ما يكون هو الحفاظ على الكرسى أيا كانت التضحيات التى تدفعها الشعوب.

«غصن الزيتون» لا يكفى لستر جرائم أردوغان داخل بلاده وخارجها، والحديث المنمق عن الديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان لا يكفى لإخفاء حقيقة أنه فى أغلب عواصمنا العربية والإسلامية «أردوغان».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved