الإمام الغاضب!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 31 يناير 2020 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

يخطئ من يظن، أن الكلام الذى وجهه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، للدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، خلال فعاليات مؤتمر تجديد الخطاب الإسلامى الذى عقد الأسبوع الماضى، كان يستهدف شخص رئيس أقدم جامعة فى المنطقة، لكنه كان موجها بالتأكيد إلى أبعد من ذلك بكثير.

فالإمام الذى عرف عنه الهدوء والتروى وعدم الانجرار للمعارك الكلامية، فى أى خلاف فكرى أو دينى يفرض نفسه على المشهد، تخلى عن ذلك تماما، وقرر الرد على ما تحدث به رئيس الجامعة، من ضرورة نقد التراث الدينى وتصحيحه وبناء فكر دينى جديد يلائم العصر ومقتضياته؛ حيث قال للخشت: «كنت أود أن كلمة تلقى فى مؤتمر عالمى دولى وفى موضوع دقيق وهو التجديد، أن تكون معدة سابقًا ومدروسة، وليس نتيجة تداعى الأفكار والخواطر».

كلام الإمام الذى رآه البعض «حادا»، لم يتعلق فقط برأى مخالف للدكتور الخشت، فى مجال تفسير ونقد التراث وبناء خطاب دينى عصرى، لكنه كان فى الأساس تعبير عن غضب متراكم لدى الإمام من محاولات كثيرة لجر الأزهر إلى مناطق مخالفة لثوابته، والضغط عليه إعلاميا فى كل حدث لمسايرة الركب وتنفيذ ما يطلب منه.. هذا الأمر تدعمه الجملة التى بدأ بها الإمام تعليقه على حديث الخشت، عندما قال: «ربما لا يعلم الكثيرون ما بينى وبين رئيس جامعة القاهرة، من مناوشات علمية ومعرفة قديمة».

نقول إنه غضب متراكم، جراء ما حدث خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديدا كلما وقعت حوادث إرهابية غادرة طالت أماكن كثيرة فى هذا الوطن، أو دعوة السلطة للأزهر من أجل تجديد الخطاب الدينى؛ حيث نجد الكثير من وسائل الإعلام المقروءة، لا تخلو من موضوعات وقصص وحكايات على شاكلة «تضليل شيخ الأزهر»، و«المشيخة تسير على نهج التنظيم الإرهابى فى حربه ضد الدولة»، فيما تعج برامج التوك شو الليلية، بانتقادات لاذعة للمناهج التى يتم تدريسها بالأزهر والادعاء بأنها تساهم فى «تخريج إرهابيين»، فضلا عن التطاول على شخصية شيخ الأزهر، إلى درجة اتهامه بـ«السلبية» ومطالبته بالتنحى وترك منصبه، طالما لا يستطيع أن ينفذ «المطلوب منه» لمواجهة الإرهاب.

الأزهر من جانبه، دافع عن نفسه مرارا فى وجه هذه العواصف التى تهب بين فترة وأخرى، ودائما ما تقول هيئة كبار العلماء برئاسة الطيب، إنه: «من التدليس الفاضح وتزييف وعى الناس وخيانة الموروث تشويه مناهج الأزهر واتهامها بأنها تفرخ الإرهابيين، والحقيقة التى يتنكر لها أعداء الأزهر بل أعداء الإسلام هى أن مناهج الأزهر اليوم هى نفسها مناهج الأمس التى خرجت رواد النهضة المصرية ونهضة العالم الإسلامى».

شيخ الأزهر بالتأكيد ليس شخصية مقدسة كى لا تتعرض للنقد، لكن ما حدث خلال السنوات الماضية وأخرج الإمام عن هدوئه المعهود فى مؤتمر تجديد الخطاب الإسلامى الأخير، لم يكن نقدا بريئا مباحا، وإنما هجوم كاسح منسق، يستهدف مؤسسة الأزهر الشريف وشيخه، الأمر الذى يثير الكثير من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية التى تقف وراءها، خصوصا أنها تتجاوز يوما بعد يوم «الخطوط الحمراء».

لا أحد يستطيع المجادلة فى ضرورة تجديد الخطاب الدينى، بل نعتبرها «فرض عين» على جميع علماء المسلمين فى كل وقت وكل زمان، حتى نضخ دماء جديدة فى شرايين هذا الدين، ونمنحه حيوية دائمة تتلاءم وتتواكب مع مقتضيات العصر الذى يعيش فيه، لكن الحملات الإعلامية التى تستهدف الأزهر وشيخه لن تؤدى إلى ذلك، بل ستستفيد منها جماعات الإرهاب والتطرف والتشدد، التى ستستغل فرصة تعرض أكبر مؤسسة سنية فى العالم الإسلامى للانتقادات والهجمات الإعلامية، للتوسع والانتشار واكتساب أرضية أكثر على حسابها بين أوساط الشباب الحائر الذى يبحث عن يقين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved