اقترب.. لكن ليس كثيرا!

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الثلاثاء 31 يناير 2023 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة الرياض السعودية مقالا للكاتب عبدالرحمن السلطان تناول فيه أن كثرة الاقتراب من أصدقائنا وأحبابنا يؤدى حتما إلى تدمير أى علاقة مهما كانت قوية، فالاقتراب أكثر من اللازم قد يصل إلى حد حب التملك والسيطرة على أدق تفاصيل حياة من نحب دون أن نشعر بمدى خطورة ذلك، لذا ينصح الكاتب بالحفاظ على مساحة خصوصية فى علاقاتنا بالآخرين لضمان الفوز بعلاقات صحية مع مَن نحب... نعرض من المقال ما يلى: 

سلوكنا الطبيعى أن نقترب ممن نحب وممن نعجب به، اقترابا لا نشعر به، اقترابا حتف الأنف، كما لو كان التصاقا، اقترابا قد يكون السبب المحورى لتدمير أى علاقة مهما كانت متينة ومتبادلة!

نحن كائن اجتماعى لا يمكن أن يعيش وحيدا، نأمن لوجود الأهل من حولنا، نسعد لقرب الأحباب دوننا، المشكلة أننا مع الوقت نقترب أكثر من اللازم! نرغب أن نكون معا دوما، وفى كل وقت، قد يصل حد تملك الطرف الآخر، والرغبة بالسيطرة على تفاصيل يومه وخيارات حياته، ونتناسى أننا أفراد مستقلون، لكلٍ منا كيان وحياة وحدود، لكلٍ منا أهل وأصدقاء آخرون، ولسنا الوحيدين فى حياة أى شخص، مهما كان مماثلا لنا فى الأفكار والاهتمام!

يقترب الأصدقاء من بعضهم، وهذا طبيعى كونهم يتشاركون الاهتمامات، فتجدهم يكونون فى الأماكن نفسها ويتواصلون مع الفئات ذاتها، لكن الحتمية التى تحدث دوما أننا نطلب المزيد، ونرغب بالاقتراب أكثر حتى نشبع عواطفنا، ويطمئن قلبنا، الأمر الذى ينقلب بالسوء على أى علاقة مهما كانت وثيقة وعميقة.

أتفهم أن نلتصق بأصدقائنا ونحن نتجاوز سويا سنوات المراهقة، أن نلاحق أحباءنا فى مراحل الحب الأولى، لكن أن يستمر ذلك وبالهوس نفسه فهى رصاصة لا بد أن تصيب العلاقة فى مقتل، وتنهيها بشكل أسرع مما نتصور.

نعم الاقتراب من شخص آخر هو تجربة إنسانية فريدة، فهى أمن عاطفى وسكينة روحية، خاصة حينما يكون انجذابا لصديقٍ عزيز يفهمك حق الفهم، لحبيب تسكن لقلبه ويسكن لك، لكن وجود مساحات بينكما سوف تعزز متانة العلاقة ويزيد الشوق ويضاعف الاهتمام، والأهم أن الاقتراب المدروس يجعل مشاركة لحظات النجاح والفرح أكثر سعادة، وأيضا لحظات البوح والفضفضة أكثر صدقا، وأكثر أثرا.

لا بد من مساحة بينكما، مساحة مكانية، وأخرى زمانية، وثالثة روحية، تمنح كلا الطرفين هامش حركة مختلف عما بينهما، مساحة تجدد القلب والروح، تبعد السأم وتجذب الاشتياق، وهذا ما وجدته لدى صديقىّ «فيصل» و«خالد»، اللذين أعرفهما منذ سنوات، ولاحظت عمق علاقتهما ببعضهما رغم أنهما لا يلتقيان كما يفعل أعز الأصدقاء، وليسا لصيقين كما نرى ممن يمثلهما فى عمق العلاقة! والسر فى استمرار الصداقة لأكثر من ثلاثين عاما أنهما لا يقتربان أكثر من اللازم، ويمنحان بعضهما مساحة كافية.

ابتعد قليلا.. أفسح المجال للهواء الطلق بينكما، دع النسمات تعبر، تنح عن أشعة الشمس.. حتما سوف تسعد بعلاقة صحية مستدامة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved