الصياد واليمام

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 31 مارس 2009 - 11:05 م بتوقيت القاهرة

 بدون شك تمثل الأعمال الأدبية كنزا كبيرا للسينما، وخاصة إذا ما كانت هذه الأعمال تجسد واقعا مفعما بالحيوية الاجتماعية والسياسية والمشاعر الإنسانية التى تعجز كثير من السيناريوهات السينمائية الخالصة عن أن تعبر عنها، وقد شهدت السينما المصرية على مدى تاريخها أعمالا تم تحويلها من روايات وقصص برع صناعها فى غزل سيمفونيات خالدة.. اجتهدوا فى نصها وعبّروا عن شخصياتها وكان دائما عنصرا «الزمان والمكان» هما المحرك الأساسى لها ولظهور شخصيات بهذا الثراء.

وقد أتت رواية الأديب إبراهيم عبدالمجيد «الصياد واليمام» لتمثل عنصر جذب جديدا فى إطار العلاقة بين السينما والأدب ليقدمها المخرج إسماعيل مراد فى فيلم بعنوان «صياد اليمام»، وكأنه أراد أن يغزل كل مفردات الرواية من منطلق هذا الصياد العابث فى الحياة بقدرة وبمفردات حياته البسيطة والمعقدة فى آن واحد.

ومنذ الوهلة الأولى تدرك أن هناك قضية إنسانية أزلية وشائكة هى: كيف تتوحد أحلام الإنسان مع الزمن الذى يعيشه والبيئة المحيطة به.. وهذا التوحد الذى بات شبه مستحيل فى عصر لم يقف فيه الحلم نفسه على أرض صلبة.. مهزوزا بفضل عوامل كثيرة فى مقدمتها أن هذا الإنسان لم يعد يعرف حتى ماذا يريد؟

و«صياد اليمام» لدى إبراهيم عبدالمجيد يكشف الوجه الحقيقى لزمن، ولمجتمع الطبقة الفقيرة بمصداقية شديدة، وعن حلمه الصغير فى البقاء والحياة، وهو ما حاول السيناريست علاء عزام أن يعبر عنه من خلال شخصية على «أشرف عبدالباقى» الذى يهوى صيد اليمام لدرجة العشق وكأنها متنفس حقيقى لإحساسه بالحياة، التى لم تشعره يوما بالأمان.. ظل على يصطاد اليمام لمدة عشرين عاما.. وبكثير من المهن ليستقر وضعه الاجتماعى، لكن حبه لهوايته لم ينته ولم ينل الاستقرار، وشيئا فشيئا ينكشف الستار عن كل الشخصيات المحيطة بـ«على».. أمه، أبوه، زوجته، عشيقته، عمه، ابنه الذى رحل، الشاويش موسى، طلبة العجوز، قمر بائعة الشاى والتى بدت وكأنها شخصيات ثانوية مؤثرة فى الرحلة بفضل آهاتها المتشابكة مع آهة على الكبرى، وتمر الكاميرا بنعومة على كل فرد ملخصة حياته.. الأزمة والحلم، الأمل واليأس، ولم تخل رحلة على من الزمن السياسى بدءا من الحرب العالمية ثم فترة عبدالناصر وحتى حرب أكتوبر، وإن كانت هذه المرحلة مرت دون عمق وفات على السيناريست والمخرج استغلالها بشكل مؤثر، وبدت وكأن ليس لها علاقة مباشرة بالرحلة المتشابكة لعلى الذى حاول فى كل مرحلة أن يصل لبر الأمان، لكنه لم يصل، و«القمر» الذى حلم به أو الوصول إليه قد اختفى وراء الضباب فى مشهد نهائى هو الأفضل بعيدا عن الحالة الضبابية التى يعيشها بطلنا.

الفيلم رغم عمق فكرته وثرائها ونعومة جمله الحوارية وصورته الشفافة عن شريحه من البشر،فإنه يحتاج من مخرجه القليل من الزمن والكثير من اللقطات التى شعرنا بها أطول من اللازم، ولم تكن ملائمة، خاصة فى الجزء الأول منه، وإذا كان صياد اليمام كشف لنا عن جزء جديد من موهبة أشرف عبدالباقى، إلا أن أداءه افتقد لكثير من العمق الذى اتصفت به الشخصية نفسها فى الرواية الأصلية، والتى كان من الممكن أن تعيش مثل شخصيات أخرى كثيرة قدمها الأدب للسينما منذ عشرات السنين، وفى النهاية يأتى صياد اليمام ليمثل حلم مخرجه ومنتجه الذى ظل حبيسا لمدة ثلاث سنوات حتى أفرج عنه الموزعون.. وبعد رحلة كفاح مريرة من أجل خروجه للنور.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved