الحسم الضائع

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 31 مارس 2011 - 9:48 ص بتوقيت القاهرة

لا يمكن أن تواجه أى ثورة خطرا أشد من خطر غياب «الحسم الثورى» لدى القائمين على الأمر وهو الخطر الذى يبدو واضحا للغاية فى الحالة المصرية. فنظام الحكم بشقيه المدنى والعسكرى يفتقد إلى الحسم المطلوب للتعامل مع مجتمع فى حالة «سيولة ثورية» الكل فيه يحاول الوصول إلى أقصى ما يريده سواء كان ذلك متفقا مع صالح المجتمع أم لا.

فمن الواضح أن الثورة التى نجحت وأبهرت العالم تفتقد إلى «حكم ثورى» يمتلك القدرة على المواجهة القوية للتحديات التى تواجه المجتمع. وإذا كان الكثيرون يتحدثون عن بقايا النظام البائد باعتبارهم التحدى الأخطر فإن الواقع يقول إن التحدى الحقيقى هو تلك الرغبة المحمومة فى الخروج على النظام واقتناص أكبر قدر من المكاسب سواء كانت بحق أو بغير حق. فالاعتداء على أملاك الدولة بدءا من احتلال الأرصفة بإقامة الأكشاك عليها دون تصريح وانتهاء بالاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضى مرورا بالاستيلاء على المشروعات السكنية بالبلطجة وفرض الأمر الواقع يمثل خطرا كبيرا على المجتمع.

إن إحساس البعض بضعف الدولة يدفعهم إلى التمادى فى الخروج عليها من أجل تحقيق مكاسب رخيصة الأمر الذى يفرض على الحكومة والمؤسسة العسكرية ضرورة التعامل بمنتهى الحسم مع تلك النزعات.
وللحسم وجوه كثيرة وليس فقط تلك القوة الخشنة التى يجب اللجوء إليها فى مواجهة محاولات الاستيلاء على أملاك الدولة والأشخاص وفرض منطق البلطجة على الشارع المصرى. فانتشار البلطجة والخروج على القانون يحتاج إلى تفعيل مرسوم قانون مواجهة البلطجة الذى تصل العقوبة فيه إلى الإعدام.

والحسم أيضا يتمثل فى مواجهة الاحتجاجات والمطالب الفئوية بقرارات واضحة سواء بإعلان الاستجابة لأصحاب المطالب إن كان لهم فيها حق لا يمكن تأجيله أو بإعلان رفضها إن لم يكن لهم فيها حق أو بإعلان بدء العمل على تلبيتها وفقا لجدول زمنى يتوافق مع ما هو متاح للحكومة من موارد.

أما ترك الأمور معلقة بهذا الشكل فهو الخطر بعينه. بل إن هذا المنهج هو استنساخ لطريقة تعامل النظام البائد مع الاحتجاجات والمطالب وإن غابت عنها قبضة الأمن الحديدية. فإن لم يكن تثبيت ملايين العمال المؤقتين بقرار فورى أمرا ممكنا فإنه أيضا لا يمكن تركهم يتظاهرون كل يوم ولكن يمكن الإعلان عن بدء مراجعة هذا الملف وفقا لجدول زمنى معلن ومحدد وفى الوقت نفسه سحب حق الاحتجاج والتظاهر من هؤلاء العمال حتى انتهاء عملية المراجعة. وأهالى سجناء المخدرات الذين يريدون الإفراج عن أبنائهم بعد نصف المدة بالمخالفة للقانون يجب إبلاغهم باستحالة الاستجابة لهم والتصدى لمظاهراتهم بالقوة المطلوبة.

هذا هو الحسم الذى تحتاجه تلك المرحلة من تاريخ الثورة وهذا هو الحسم الضائع حتى الآن.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved