سوريا فى الصراع العالمى


سلامة كيلة

آخر تحديث: السبت 31 مارس 2012 - 9:20 ص بتوقيت القاهرة

يظهر الآن بأن الوضع السورى بات ينحكم للوضع العالمى أكثر مما ينحكم لوضع داخلى يتمثل فى تصاعد الانتفاضة وتوسعها. وبات الدور «العربى» الذى يتحقق من خلال الجامعة العربية، والصراع الروسى الأمريكى/ الأوروبى، هو المسيطر على مجريات الواقع الذى تؤسسه الانتفاضة. وهو ما جرى ويجرى استغلاله من قبل السلطة لتصعيد «الحسم العسكرى»، وتصعيد القتل والتدمير.

 

●●●

 

«المجلس الوطنى» سعى جاهدا منذ البدء لـ «تدويل» المسألة، من خلال نقل الملف السورى إلى مجلس الأمن الدولى. وبعد تردد قامت الجامعة العربية بهذه المهمة. لكن المفاجأة كانت فى الفيتو الروسى الصينى الذى أوضح حدود «اللعبة» على الصعيد الدولى. والمشكلة التى تظهر واضحة هى أن الوضع الدولى قد تغيّر خلال السنة الأخيرة، ولم تعد التوازنات التى نشأت بُعيد انهيار الاتحاد السوفيتى قائمة الآن. فقد استعادت روسيا مقدرتها الاقتصادية، وحافظت على قدرتها العسكرية، لكن الأهم هنا هو أن أمرىكا والنظام الرأسمالى دخلا منذ سنة 2008 فى أزمة كبيرة فرضت تراجع مقدرة كل البلدان الرأسمالية.

 

أمريكا مأزومة اقتصاديا، وهى مهددة بانهيار مالى جديد، وبالتالى لم تعد مقدرتها الاقتصادية تحمل الدور العسكرى الذى حاولته منذ سنة 1990 خصوصا، أى بمحاولة السيطرة على العالم. وأوروبا تعيش الخوف من انهيار مالى يطيح باليورو وبالوحدة الأوروبية، وهناك تخوّف من انهيار دول عديدة مثل اليونان وإيطاليا واسبانيا. وفى هذا الوضع فقدت أمريكا مقدرتها على السيطرة العالمية، وهو الأمر الذى أوجد فراغا دفع إلى أن تتقدم دول لكى تصبح قوة عالمية موازية على الأقل. وهذا ما جعل روسيا تتقدم، وتتوافق مع الصين، وتؤسس تحالفا مع الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا (المسماة بالدول البازغة)، لكى تفرض معادلة عالمية جديدة.

 

لهذا عمدت روسيا والصين إلى تغيير إيقاع الوضع العالمى، من خلال فرض «حقائق» جديدة تمنع أمريكا من أن تصبح لاعبا أوحد. وربما أن توقف التمدد الأمريكى على الصعيد العالمى، هو لمصلحة عالم جديد متعدد الأقطاب، أو ثنائى القطب.

 

وبالتالى حين يصبح الملف السورى مدوّلا سوف يخضع لضعف أمريكا وتراجعها من جهة، وتقدم الروس من جهة أخرى. وفى هذه المعادلة تكون السلطة هى الأقوى، والمستفيدة من التدويل. ولن يكون مفيدا كل «النشاط العربى» الذى يدفع نحو ذلك، أو يميل لأن يلعب الدور البديل عن أمريكا. فهو فى ذلك يضعف موقف الانتفاضة بدل أن يساعدها. وإضافة إلى أنه يجعل التركيز على الدور العربى والنشاط الدولى مجالا لكى تعمد السلطة إلى حسم الصراع على الأرض. وهو ما شهدناه منذ شهر تقريبا، والذى تمثل فى هجوم عسكرى تحت عنوان «الحسم».

 

●●●

 

فى هذا الوضع الدولى لن يكون ممكنا التدخل العسكرى. وأمريكا كما اشرنا لم تعد فى وارد حرب جديدة سيكون التدخل فى سوريا مدخلا لها. وهى ليست على استعداد لتسليح المعارضة لأن ذلك سوف يقود إلى حرب كذلك، ربما نتيجة رد السلطة على أى دعم عسكرى سواء عبر تركيا أو عبر الأردن. والتصريحات فى هذا الصدد كثيرة من قبل مسئولين كبار فى الإدارة الأمريكية، إضافة إلى تصريحات مسئولين أوروبيين. الأمر الذى يجعل كل مراهنة على الخارج هى تضييع للوقت (إضافة إلى أضرار كثيرة تؤسس لها). ومن ضمن ذلك ستكون المراهنة على عسكرة الانتفاضة من خلال التسليح من الخارج (رغم دعوات ووعود زعماء دول الخليج).

 

ربما هذا يكون أفضل للانتفاضة ذاتها، لأن كل تدخل عسكرى إمبريالى يستجلب التدمير والقتل (طبعا أكثر مما يحصل الآن، لأنه سيكون من طرفين وليس من طرف السلطة فقط)، ولأن التسلح سيوجد ميزان قوى هو لمصلحة السلطة المتفوقة عسكريا إلى حد كبير، وحيث يقود التسلح إلى تماسك الجيش وليس تفككه أو انشقاقه. وبالتالى، لكى تعود الانتفاضة إلى مكمن قوتها الذى هو طابعها الشعبى (ولن أقول سلميتها) الذى يقوم على حراك الآلاف ومئات الآلاف فى كل مناطق سورية. والذى وحده يربك السلطة، ويشل قوتها، رغم كل العنف الذى تمارسه.

 

●●●

 

الوضع الإقليمى، كما الوضع العالمى، متوتر نتيجة ما يحدث فى سوريا، من أجل ضمان السيطرة، أو الاستفادة فى الصراع العالمى للحصول على تنازلات فى مناطق أخرى. وكل ذلك يكلف دما سوريا، لكن هذا من طبيعة مصالح الدول الإمبريالية، من أمريكا إلى روسيا. ولا شك فى أن اللعب فى هذا الملعب ليس فى صالح الثورة على الإطلاق. لهذا لابد من العودة إلى الأساس، الذى هو الشعب الذى ينتفض، من أجل بلورة فعله بشكل يخدم استمرار توسع الثورة، خصوصا أنها وصلت إلى ما كان يعتبر «معاقل» السلطة و«قاعدتها الشعبية»، أى دمشق وحلب والساحل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved