حبّ الأوطان فوق كلّ اعتبار

امال قرامى
امال قرامى

آخر تحديث: الثلاثاء 31 مارس 2015 - 10:10 ص بتوقيت القاهرة

انقسم التونسيون بشأن دعوة رئيس الجمهورية المواطنين إلى الخروج فى مسيرة كبرى عالمية تلتئم يوم الأحد 29 مارس للتعبير عن انطلاق الحرب ضدّ الإرهاب فى تونس. فمنهم من اعتبر أنّه لا مجال للخلافات الأيديولوجية إذ إنّ العدو يتربّص بالبلاد وعن طريق الوحدة الوطنية يمكن أن نقاومه بينما رأى آخرون أن لا معنى لمظاهرة شعارها «العالم باردو» و«بالوحدة نقضى على الإرهاب» و«صفا واحدا ضد الإرهاب»...تجمع بين مناهضى الإرهاب ومن تسبّب فى دخول التطرّف إلى البلاد موجّهين أصابع الاتّهام إلى الغنوشى، ونور الدين الخادمى، والحبيب اللوز، والصادق شورو، ووليد البنانى وغيرهم من قيادات حزب النهضة. كما أنّ بعضهم انتقد هذه المسيرة ووسمها بمسيرة النفاق والكذب والعمالة لفرنسا فهى «كرنفال» سياسى لا طائل من ورائه.

وقد انعكس هذا الخلاف على المستوى الفردى والحزبى على مواقع الاتصال الاجتماعى إذ ارتفع منسوب العنف اللفظى وظهر فى النقاشات التى دارت بشأن جنازة المنصف بن سالم القيادى النهضوى ووزير التعليم العالى الأسبق، وتواصل التراشق بالسباب، وعادت الفيديوهات التى تثبت تورط عدد من القيادات فى التحريض على الجهاد، وتكونت مجموعات للضغط من أجل حظر ارتداء النقاب فى تونس لدواع أمنية خاصّة بعد أن تمّ إلقاء القبض على عدد من العناصر الإرهابية متخفية وراء النقاب.

•••

ولئن أصرّ قياديو حزب نداء تونس، وحزب النهضة، وغيرهم على أهمية الوحدة الوطنية، وتضامن التونسيون فى هذه المرحلة الحرجة التى تمرّ بها البلاد فإنّ أنصار الجبهة الشعبية وحزب المسار رفضوا «الوحدة المقدسة» ونادوا بضرورة محاسبة المتورطين إن كانوا من حزب النهضة أو حزب المؤتمر وغيرهم من الإعلاميين، والمحامين، ورجال الأعمال وغيرهم فلا معنى للوحدة دون مساءلة ومحاسبة.

وليست المسألة مرتبطة، فى تقديرنا، بترجيح هذا المصطلح أو ذاك على مستوى التداول فى الخطاب السياسى الرسمى بل هى ذات علاقة وطيدة بما ترتب عن تعثر مسار العدالة الانتقالية من نتائج فضلا عن صعوبة ترسيخ آليات الديمقراطية وأهمها الحوكمة الرشيدة والشفافية والمساءلة والمحاسبة وغيرها، ويضاف إلى كلّ ذلك غياب الإرادة السياسية فى مواجهة قضية رئيسية وهى استشراء الفساد لأسباب متعددة لا تخفى على أحد.

قد يعنّ للحكومة الدفع باتجاه طى صفحة الماضى ونسيان الأخطاء التى ارتكبتها الترويكا وتغيير النظرة إلى النهضة باعتبارها لم تعد الخصم والمنافس السياسى بقدر ما أصبحت الشريك فى الحكم ولكن إلى أى مدى يمكن تغيير بنية العلاقات بين التونسيين والحال أن أزمة الثقة بيّنة، والنسيج الاجتماعى مفكك؟

وليس يخفى أنّ الأزمات الاجتماعية تتضاعف يوما بعد آخر بسبب تردّى الأوضاع الاقتصادية، وتفاقم التهميش وانتشار الظواهر الاجتماعية كالجريمة المنظمة والتهريب والمخدرات وغيرها، وما الإرهاب إلاّ وجه من وجوه ضعف المناعة فى المجتمع التونسى والذى كشف عنه واقع الثورة وما ترتب عن سوء إدارة المسار الانتقالى من نتائج.

•••

من الثابت أنّه لا يمكن مواجهة الإرهاب إلا من خلال الإرادة السياسية والرؤية الواضحة ووضع السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والدينية والإعلامية وغيرها ولكن كيف يمكن التعويل على المواطن اليقظ والشريك فى مكافحة الإرهاب والحال أن فئات من التونسيين لا يعتبرون تونس وطنا لهم بل هى أرض كفر آن أوان تحويلها إلى إمارة داعشية بالقوة؟ يكفى أن ننتبه إلى الحرب التى انطلقت هذا الأسبوع على شبكة الإنترنت والتى تتوعّد فيها الجماعات الإرهابية التونسيين «المارقين» بغزوات متتالية لندرك أنّ المعضلة تكمن فى قدرة الجهاد المعولم على انتزاع الأفراد من أسرهم وولاءاتهم التقليدية وانتماءاتهم واقتلاعهم من جذورهم، وعلى تشكيل هوياتهم من جديد: هويات قاتلة ومدمرة لا تمت بصلة إلى أرض سالت فيها دماء الأجداد من أجل أن ننعم بالحياة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved