وقع المستقبل

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الثلاثاء 31 مارس 2015 - 10:05 ص بتوقيت القاهرة

يتطلع المصريون لاستعادة بلدهم زمام المبادرة فيما يمس حياتهم سواء على الصعيد الداخلى، أو فى الملفات الخارجية، إقليميا ودوليا، بما يضمن الخروج من واقع يتحدث عن نفسه فى شكل مشكلات وأزمات متراكمة صنعتها 30 سنة من حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وزادت وتيرتها بعد ثورة 25 يناير، غير أن هذا التطلع المحمود ينقصه وضع المتغيرات فى الاعتبار، ويظل حبيس معايير تجاوزها الزمن، ولم تعد صالحة للقياس الموضوعى.

وفى ملف يمثل واحدا من قضايا الأمن القومى المهمة، إن لم يكن أهمها، وأعنى به مياه النيل، وجدنا الشىء ونقيضه، ففى وقت حكم الإخوان انتقدنا جميعا التهديدات التى خرجت من داخل جدران الرئاسة بضرب إثيوبيا لمنع إقامتها سد النهضة، ولا يزال البعض يتندر على ما جرى خلال اجتماع كان يبث على الهواء مباشرة، وخرجت الأصوات العاقلة تطالب باستخدام الدبلوماسية سبيلا لحل المشكلات وخاصة فى هذه القضية التى تتعلق بشريان حياة المصريين.

الجنوح إلى التلويح بالعصا، تم وأده فى المهد، وحسنا ما جرى، ومضينا فى طريق التفاوض والانفتاح على شركاء النهر، قبل أن نوقع فى الخرطوم إعلانا للمبادئ، اختلف المفسرون، بعض الوقت، فى شأن كونه اتفاقية، أم مجرد خطوط عريضة سيتم البناء عليها للتوصل إلى اتفاقية تضع النقاط فوق الحروف فى طبيعة العلاقات بيننا وبين الجانب الإثيوبى، فى قضية سد النهضة تحديدا، وليس حصتنا فى مياه النيل التى يأتى أكثر من 80% منها من الهضبة الإثيوبية.

الذين انتابتهم «حمى التشنج» والهواجس خشية أن يكون إعلان النوايا فتح بابا للتفريط فى حصتنا التاريخية فى مياه النيل البالغة 55 مليار متر مكعب، لاتزال تحكمهم معايير ربما لم تعد قائمة فى طبيعة العلاقات فى هذا الملف المهم، فالمسار الذى سلكناه فى قضية سد النهضة لم يفرضه الأمر الواقع بمعناه القسرى، بقدر ما هو نتاج منطقى لإدارة ظهرنا لدول حوض النيل خاصة، وإفريقيا عامة لسنوات طوال.

وفى قضية الذهاب إلى التحالف العربى الخاص باليمن، وشن الغارات على الحوثيين فى إطار الصراع المكشوف مع إيران، اعتبر البعض أن مشاركة مصر تأتى دفاعا عن باب المندب، وقال البعض الآخر إن المضيق تحرسه وتبيت على ليله بارجات دولية غالبيتها أمريكية، ولم يضع كلا الفريقين فى الحسبان أن تدخلنا جاء تلبية لمقتضيات أمننا القومى الذى يحتم التواجد ضمن تحالف الراغبين، وحتى لا نبعد عن المشهد، فنكرس عزلة إقليمية ليست فى صالحنا.

الوضع فى المنطقة يتشكل على وقع معايير مستقبلية لابد أن نكون واعين بها، فلا نلجأ إلى القياس على زمن مضى وانقضى، فى إثيوبيا طاولة التفاوض حتمتها المصالح، وفى اليمن إبحار البوارج أملته المصالح أيضا، وتأمين شربة ماء لبيوتنا فى الدلتا والصعيد تحتم مد أكبر عدد من الجسور مع دول حوض النيل، كما أن توفير رغيف الخبز لنحو 90 مليون مصرى تدفعنا إلى الانخراط فى كل ما يجرى فى الإقليم من أحداث.

زمن التنصل من المسئوليات الإقليمية والدولية، لم يكن فى صالحنا، والتطلع للمستقبل يفرض شروطه الجديدة، دعونا نطلق الخيال لقادم الأيام، وأن نتسلح برؤية الأمور بمنظور ما يجب أن يكون، وليس بما كان، ووقتها سنجد المسارات التى نذهب إليها، وأن بدت متناقضة، ترجمة عملية لاحتياجات المصالح المتغيرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved