هل ترك «طه حسين» رواية مجهولة فعلا؟

إيهاب الملاح
إيهاب الملاح

آخر تحديث: الجمعة 31 مارس 2017 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

فى تحقيق صحفى مثير نشر فى جريدة الحياة، مؤخرًا، بعنوان («خِطبة الشيخ».. رواية مجهولة لطه حسين)، كتبه الزميل الصحفى البارع والمحرر الثقافى المرموق، رئيس تحرير جريدة القاهرة، سيد محمود، وصف ما اعتبره أنه اكتشاف رواية مجهولة لطه حسين بعنوان «خِطبة الشيخ»، بـ«حدث بارز جدًا، أدبيا وثقافيا، شهدته القاهرة أخيرا»، عارضًا لما أعلنه رئيس دار الكتب والوثائق المصرية، د.محمود الضبع (قبل تقديم استقالته بأيام)، بأن هذه الرواية (بحسب وصفه) «نشرت فى العام 1916 على حلقات فى جريدة «السفور»».
واعتبر أن «نشر هذه الرواية، الآن، فى كتابٍ، يدرجها فى سياق الجدل الذى ما برح قائما حول أى رواية عربية هى الأولى، وقد يُتبين أنها كتبت قبل رواية «زينب» لمحمد حسين هيكل المنشورة فى العام 1914. ويُرجح أن يكون صاحب «الأيام» كتب روايته المجهولة قبل نحو عامين أو ثلاثة».
والحقيقة أن المادة المنشورة حول هذا النص لاقت اهتمامًا كبيرًا؛ لأنها وبشكل أساسى تتصل بأكبر رواد التنوير فى تاريخنا الحديث، د.طه حسين، ولأنها أيضا تفتح بابًا للنقاش مجددًا حول إشكالية نشأة الرواية العربية التى استغرقت عقودا واستهلكت عشرات المقالات والكتب.
ولهذا فإن قراءة الموضوع، تثير مجالا لطرح أسئلة قد تحمل بعضا من المعقولية والمنطق حول ما اعتبره سيد محمود «رواية مجهولة لطه حسين»؛ وبخاصة أن كتابة المادة بشكل استباقى جاء قبل نشر النص على الناس ووضعه بين أيدى الباحثين والنقاد والمعنيين بتاريخ ونشأة الرواية، وبالتالى فالنقاش والأسئلة المطروحة كلها تدور فى دائرة ظنية حول «نصٍ لم ينشر» ولم يقرأه إلا من عاينه فى صورته الأولى فى دورية «السفور» فى دار الكتب والوثائق القومية.
السؤال الأول يتعلق بمدى اعتبار هذا النص «رواية مجهولة» لطه حسين، وأنه قد يفتح باب السجال حول النص الروائى «الأول» فى أدبنا الحديث.. السؤال: وهل كان طه حسين مُغْفلا أو متغافلا عن تحديد وتصنيف نصه بدقة؟ خاصة أنه نشره على صفحات جريدة «السفور» التى وصفها د. أنور مغيث بأنها «جريدة فريدة من نوعها فى تاريخ الفكر العربى المعاصر، تدعو لتحرير المرأة، وتنطلق من وضع المرأة المتخلف فى مجتمعنا لتقرأ من خلاله كل أمراض المجتمع: التبعية والاستبداد والاستسلام للخرافة والظلم الاجتماعي».
هكذا وصف أنور مغيث بدقة توجه الجريدة وسياستها التحريرية ما يؤيد أن المواد التى نشرت بها كانت تتغيا أهدافا اجتماعية وتتوسل بشكل المقال القصصى أو الرسائل المتخيلة لا من باب أنها «إبداعات فنية خالصة» بل من باب أنها أشكال تحمل مضامين بعينها.
وسؤال ثان يتصل بطبيعة تركيب شخصية طه حسين المعتدة بذاتها وأعمالها التى تجعل من الصعب أن يتنازل عن إعلان ريادته أو أسبقيته فى أمر كهذا، لو كان قاصدا وعامدا أن يكتب رواية بالمعنى الفنى الذى بالتأكيد كان يعيه ويدركه، ومارس نقده فيما بعد، فهل لو كان يكتب «رواية فنية» فلماذا يعلن ذلك بنفسه؟
سؤال ثالث يتصل بجهود نخبة معتبرة من أكبر الباحثين فى مجال تاريخ الرواية وإشكالية ظهورها منذ المرحوم يحيى حقى مرورا بأسماء عبدالمحسن بدر، جابر عصفور، رضوى عاشور، سيد البحراوى، وآخرين (وقد أدلى كل منهم بدلوه فى تلك المسألة وقتلوها بحثا وأشبعوها دراسة). لقد توقفوا طويلا وتفصيلا أمام عشرات من النصوص التى ظُنّ أنها «روايات» أولى، وذلك بعد مسح دقيق وكبير وعلى مساحة هائلة من الدوريات فى مصر وخارجها، ومن الصعب أن يكون نصٌ لطه حسين، وهو من هو فى شهرته وذيوع صيته، لم يلفت انتباههم أو يستوقفهم إلا إذا كان بدرجة تقترب من الجزم واليقين خارج دائرة «الرواية الفنية» تماما، وبإجماع هؤلاء الذين لم يوردوا إشارة واحدة، لا من قريب ولا من بعيد، لهذا النص إلا إذا كانوا تعاملوا معه على أنه نص «غير روائى»، بمعناه الفنى وليس بدلالاته الاجتماعية التى كانت تستهدف فى المقام الأول التوسل بالأشكال المستوردة لعرض مضامين فكرية وسياسية واجتماعية حديثة.
وأخيرًا، وهو ترجيح مبنى على الظن، لعدم الاطلاع على النص، فإن هذه الرسائل المتبادلة بحسب ما توافر من معلومات عنه، تدخل فى إطار النصوص المقالية الاجتماعية التى اتخذ لها شكل الرسالة، فضلا عن شيوع هذه الطريقة فى التعبير عن الأفكار والتيارات الاجتماعية الموارة التى كانت تميز تلك الفترة.. (مصدر هذه المعلومات المقال الرائع الذى كتبه د.أنور مغيث فى الأهرام، بعنوان «طه حسين لفتات تاريخية»، بتاريخ 21 نوفمبر 2014. وهو الذى استند إليه أيضا سيد محمود فى إيراد بعض مادته الصحفية فى الحياة).
ويبقى أن أى نقاش يفتح ويطرح من خلاله الأسئلة حول قضية أو موضوع أو ظاهرة تتعلق بتاريخنا الثقافى المعاصر هو أمر محمود ومطلوب وملّح.. وللحديث بقية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved