حروب الثقافة الشرق أوسطية: معركة الأذواق والأطباق

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الخميس 31 مايو 2018 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع «Eurasia Review» مقالا للكاتب «جيمس إم دورسى» يتناول فيه الحروب الثقافية فى الشرق الأوسط والصراعات الدائرة حول الأصول الحقيقية للعديد من الأطباق الشهيرة والحديث عن أن مثل هذه الصراعات الثقافية تعكس التوترات فى الشرق الأوسط.

يستهل الكاتب حديثه بالقول إن «الطعام» قد يكون أحيانا رمزا للصراعات حول الهوية والتاريخ والادعاءات السياسية التى تكمن وراء أزمة من الأزمات التى عصف بها الصراع العرقى والدينى، أو المطالبة بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والوطنية وحقوق الأقليات، أو الجهود التى تبذلها الدول والجماعات العرقية للحصول على القوة الناعمة وتأكيد الهيمنة، والعلامات التجارية الدولية، أو النفوذ الدبلوماسى وتنافس القوى العظمى.

بدأت إسرائيل ولبنان «حروب الحمص» منذ ما يقرب من عقد من الزمان وانضمت فلسطين إلى هذه المعارك حول أصول أطباق متعددة. يزعم الأتراك والعرب واليهود واليونانيون والأرمن والإيرانيون أن «البقلاوة» هى طبقهم الوطنى، واختلافات تلك الحلوى بمرور الوقت تعكس تاريخ المنطقة؛ فيتقاتلون على أصل الحلوى وحتى على كلمة «البقلاوة».

وأجبرت المعارك حول أصول الطعام الدول على إعادة كتابة جوانب من تاريخها، والشركات الكبرى لمراجعة طريقة تسويق المنتجات. كما يعمل الطعام كمقياس لتأثير القوى الإقليمية.

فعلى سبيل المثال تشير التمور الإيرانية التى تغزو الأسواق العراقية إلى أن إيران تربح حربها بالوكالة مع السعودية، حيث إن العراق كانت أكبر دولة منتجة للفاكهة فى العالم قبل الحروب المتعددة التى شهدتها، والتى تعود إلى الحرب الإيرانية ــ العراقية فى الثمانينيات.

ترمز الهيمنة الإيرانية على السوق العراقية إلى النجاحات الهائلة للجمهورية الإسلامية فى العراق، والتى تنطلق من حقيقة كونها الشريك التجارى الأول للبلاد لنفوذها السياسى فى بغداد والتأثير العسكرى الذى تجسده الميليشيات الشيعية القوية فى العراق.

المملكة العربية السعودية، التى تحولت أخيرا من مقاطعة العراق بفعالية إلى إقامة علاقات سياسية واقتصادية وثقافية، تحاول أن تلحق بالركب. حصلت المملكة على درجة من القوة الناعمة فى ملاعب كرة القدم ولديها خطط للاستثمار فى القطاعات العراقية مثل البتروكيماويات والطاقة والزراعة.

إن حروب «الحمص» بين إسرائيل ولبنان التى استمرت لأكثر من عشر سنوات هى صراع للمطالبة بطعامها بمعنى إثبات أصوله العربية، والتصدى لمحاولات إسرائيل الاستعمارية لاستعمار الثقافة الفلسطينية والشرقية. بدأت «حرب الحمص» عام 2009، عندما قام فادى عبود ــ وزير السياحة اللبنانى ــ بقيادة لبنان لكسر الرقم القياسى لأكبر طبق حمص بالعالم.

ويرجع عبود بداية هذا الصراع إلى زيارته لمعرض أطعمة بفرنسا، حيث لاحظ اعتبار العديدين أن «الحمص» هو طبق تقليدى إسرائيلى، فما كان منه إلا أن عاد إلى لبنان عازما على عمل أكبر طبق حمص فى العالم، فى طريقة لإيصال قضيته.
وقد خطف اللبنانيون لقب «أكبر طبق حمص بالعالم»، وسجل هذا الإنجاز بموسوعة «جينيس» للأرقام القياسية، يرمز الحمص إلى «كل التوتر فى الشرق الأوسط»، كما يقول رونيت فيريد، الصحفى فى مجال الطعام الإسرائيلى.

***

«لم نكن نحاول إثبات شىء ما، ولكن لتذكير الناس بأننا يجب أن نأخذ السوق الدولية بجدية أكبر. فى الولايات المتحدة، إذا شككت فى أن الحمص هو إسرائيلى، فأنت منبوذ، ولكن الحمص كان موجودا قبل إسرائيل بوقت طويل» هكذا قال وزير السياحة اللبنانى فادى عبود.

فى تعبير عن تعقيد النزاعات فى الشرق الأوسط والتلميح إلى الأصول العربية للحمص، كان الصراع فلسطينى ــ إسرائيلى، ولكن نجد أن «جودت إبراهيم»، ليس يهوديا إسرائيليا هو الذى تحمل التحدى اللبنانى. لم يرق لجودت إبراهيم، رجل أعمال عربى ــ إسرائيلى ذلك. إذ يؤمن إبراهيم أن «الحمص للجميع».
وكنتيجة لذلك، قام رجل الأعمال وصاحب مطعم أبو غوش بالقرية التى تحمل الاسم نفسه، بجمع سكان قريته ودعوتهم لكسر الرقم القياسى لطبق الحمص المسجل باسم الدولة اللبنانية.

وعندما تحقق لهم ذلك، تم إعلان قيام إسرائيل بكسر الرقم القياسى للحمص عبر وسائل الإعلام، إذ بلغ وزنه أربعة أطنان وتم تقديمه فى طبق مخصص أصلا لاستقبال قمر صناعى.

***

لا تتوقف المعارك الغذائية عند حدود إفريقيا وآسيا. إنها تمتد أيضا إلى أوروبا. وفى مارس، اعتذرت شركة الطيران «فيرجين أتلانتيك» عن تصنيف نوع من الطعام المدرج على قائمة الطعام الخاصة بها بأنه « فلسطينى» وأسقطت هذا التصنيف بعد أن احتج المسافرون الموالون لإسرائيل على ذلك وهددوا بمقاطعة شركة الطيران.
«سلطتنا مصنوعة باستخدام خليط من المفتول (الكسكس الفلسطينى التقليدى) والكسكسى، مضاف إليه الطماطم والخيار، ممزوجا بصلصة البقدونس والنعناع والليمون. ومع ذلك، نحن دائما نريد أن نرضى عملائنا ونتيجة للاحتجاجات، قمنا بإسقاط هذا ونحن نأسف للغاية على ذلك الخطأ». هكذا قال المتحدث باسم فيرجين أتلانتيك.

أما كاتبة فى مجال الطبخ الفلسطينى، «كريستيان دبدوب ناصر»: علقت قائلة إنه «مفتول فلسطينى، تماما مثله مثل أى طبق ينتمى لأى دولة. لا يمكن لأحد أن ينكر ذلك، ومع ذلك، فإن شركة الطيران، لإضفاء المزيد من الإهانة، تعتذر عن الجرم الذى كان من الممكن أن تسببه كلمة «المفتول الفلسطينى».

أثارت الكاتبة فى مجال الطبخ الأمريكية ومقدمة البرامج «راشيل راى» قبل شهرين ضجة على وسائل التواصل الاجتماعى عندما عرضت الحمص إلى جانب أوراق العنب المحشوة، وأطباق مختلفة مصنوعة من البنجر والباذنجان والطماطم المجففة والجوز والفلفل الأحمر بالإضافة إلى سلطة التبولة، كأطباق إسرائيلية متجاهلة أصولهم الشامية.

«هذه إبادة ثقافية. إنه ليس طعاما إسرائيليا. إنها عربية (لبنانية، فلسطينية، سورية، أردنية). أولا، أخذ الإسرائيليون الأرض وطهروها عرقيا من العرب. الآن يأخذون طعامهم وثقافتهم ويدعون أنه ملكهم أيضا! هذا عار» هكذا غرد العربى الأمريكى البارز جيمس زغبى.

ويضيف الكاتب أن سلسلة متاجر «ويتروز» البريطانية حققت نجاحا كبيرا فى عام 2015 عندما وزعت مجلة بعنوان «تيست أوف إسرائيل» ووضعت فيها الطحينة والزعتر وغيرها من الأطباق التى نشأت فى الأراضى العربية قبل إسرائيل فى جميع أنحاء المشرق.
وبالمثل، أقرت السويد أخيرا بأن كرات اللحم، التى اشتهرت منذ فترة طويلة باعتبارها أحد أشهر الرموز العالمية للمطبخ السويدى التقليدى، كانت فى الواقع استيرادا عثمانيا.
اعترف الحساب الرسمى السويدى على تويتر بأن الملك السويدى تشارلز الثانى عشر قد جلب الوصفة من تركيا فى أوائل القرن الثامن عشر عندما عاد من المنفى الذى استمر خمس سنوات. «دعونا نتمسك بالوقائع!» هكذا قالت السويد.

إن ادعاء السويد كان سهلا مقارنة بالمعارك على البقلاوة التى يعود تاريخها إلى القرن الثامن قبل الميلاد. وتحكى آشور قصة تحويل القوة الإقليمية، وتغيير الأذواق، وأشكال الطعام التى يمكن أن تكون مثيرة للانقسام.

لقد ساهم كل من الأتراك والعرب واليهود واليونانيين والأرمن والإيرانيين فى البقلاوة كما نعرفها ومع ذلك فهم متحفظون على الاعتراف بها كطبق إقليمى وليس وطنى. جلبه البحارة والتجار اليونانيون إلى أثينا حيث قدم الطهاة عجينة ناعمة قابلة للتشكيل لتحل محل الخليط الآشورى الخشن الذى يشبه الخبز. أضاف الأرمن القرفة والقرنفل بينما قدم العرب ماء الورد وزهر البرتقال. اخترع الإيرانيون شكل الماس فى البقلاوة وأكملوه بحشو الجوز المعطر بالياسمين.

وتضيف ابتسام ماستو اللاجئة التى فرت من سوريا التى مزقتها الحرب مع أطفالها الستة إلى بيروت حيث انضمت إلى برنامج الطبخ فى محاولة لإعادة بناء واستكمال حياتها. تلخص صراع المنطقة على الأطباق والأذواق قائلة: «الغذاء وسيلة للحفاظ على التاريخ والثقافة، ولنقل التقاليد من جيل إلى جيل آخر حتى يتمكنوا من فهم أصولهم وهويتهم. إذا لم نحافظ على هويتنا فى (الطعام)، فسوف تختفى. من واجبنا أن نحافظ عليها».

إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved