اليوم التالى.. هل نناشد أم نبادر؟

ناصيف حتى
ناصيف حتى

آخر تحديث: الإثنين 31 مايو 2021 - 7:40 م بتوقيت القاهرة

تبقى هدنة «اليوم التالى» لحرب الأحد عشر يوما التى شنتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى وبشكل خاص ضد قطاع غزة والجرائم التى ارتكبتها إسرائيل ضد المدنيين، تبقى هشة، وقابلة للسقوط فى أى لحظة فى جو التوتر الحاصل والمتزايد، إذا لم يتم التوصل إلى وقف إطلاق نار أو «تهدئة مستدامة» حسب السلطة الفلسطينية. لكن هذه لن تكون نهاية المطاف أيضا إذا اندرجت فى العودة إلى سيطرة منطق الغياب الكلى لأى أفق جدى لولوج باب المفاوضات حسب الوضع الذى استقر لسنوات عديدة، والذى كان عنوان السياسة الإسرائيلية بشكل مستمر. سياسة قامت على معادلة عنوانها جمود سياسى مقابل نشاط مكثف لتغيير الوضعين الديمغرافى والجغرافى على الأرض لتعزيز قيام إسرائيل الكبرى واختصار مستقبل فلسطين «بدويلة غزة وبقايا من الضفة الغربية». وللتذكير فقد ساهمت عناصر عديدة فى إنجاح السياسة التى تهدف لفرض واقع جديد على الأرض. وتؤدى إذا ما نجحت كليا إلى إلغاء إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية: من هذه العناصر حالة الوهن والتفكك التى أصابت الجسم السياسى والتنظيمى الفلسطينى والتى أدت إلى غياب الرؤية والإرادة والقدرة على بلورة استراتيجية وطنية فلسطينية. ولا بد من التذكير أن بلورة استراتيجية وطنية لا يعنى بتاتا إلغاء التنوع السياسى والتنظيمى الفلسطينى. من هذه العناصر أيضا التغير التى شهدته المنطقة فى طبيعة الأولويات الاستراتيجية الضاغطة بالنسبة لدولها والتى ساهمت أيضا فى «تهميش المسألة الفلسطينية» التى أعادها العدوان الإسرائيلى وما واكبه إلى سلم الأولويات الإقليمية دون أن تكون بالطبع على رأس هذه الأولويات.
عناصر ثلاثة ما زالت تلعب دورا سلبيا أو معيقا أمام عودة «المسألة الفلسطينية» إلى قمة الأولويات الضاغطة للتسوية فى المنطقة: أولها دون شك سيطرة مناخ اليمين المتشدد الإسرائيلى فى شقيه القومى والدينى على السياسة الإسرائيلية عشية، ربما، جولة أخرى من الانتخابات التى تعكس الأزمة السياسية التى تعيشها إسرائيل. ثانيا، الحالة التى تعيشها السلطة الفلسطينية والخلافات التى تنهش فى الجسم السياسى الفلسطينى، وثالثا العودة البطيئة ولكن غير الكافية بعد، مقارنة بالأوضاع القائمة حاليا، للاهتمام العربى والدولى وما يفترض أن يتبلور عنه من سياسات وانخراط فاعل للدفع باتجاه العمل على إحياء المفاوضات ومواكبتها للتوصل إلى التسوية المطلوبة حسب المرجعيات الأممية والقانونية الدولية المعروفة.
ولا تكفى بيانات الرباعية الدولية عن إبداء الاستعداد للتحرك مجددا فى هذا الخصوص أو إعلان قوى دولية مختلفة عن أفكار ومقترحات للعودة للمفاوضات بصيغ مختلفة عن الماضى. كما لا تكفى إعلانات هذا الطرف الدولى أو ذاك عن عزمه تقديم مساعدات إنسانية للشعب الفلسطينى وخاصة لأهل غزة الذين دفعوا ثمنا باهظا للعدوان الإسرائيلى رغم أن المساعدات أمر أكثر من ضرورى. إن وحدة الشعب الفلسطينى التى تجلت فى أبهى صورها والتى عبر عنها الفلسطينيون الذين يعيشون فى ظل نظام قائم على التمييز العنصرى فى إسرائيل والفلسطينيون فى القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة وفى جميع أرجاء العالم أكدت من جديد أنه لا يمكن طمس أو إلغاء الهوية الوطنية لهذا الشعب وأن الحل الواقعى يكمن فى إقامة دولته الوطنية المستقلة فى الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية كأساس للتسوية السلمية. فالعودة إلى سياسة إدارة التهدئة عبر احتواء التوتر، كبديل عن العمل على تحقيق التسوية السلمية المعروفة أسسها وأركانها أمر سيؤدى إلى مزيد من التوترات والحروب المختلفة فى حدتها ومسرحها والتى تساهم بدورها فى رفع درجة التوتر فى المنطقة.
شروط ثلاثة مترابطة ومتكاملة يفترض العمل على تحقيقها للخروج من هذا الوضع، وهى ليست بالسهلة ولكنها ليست بالمستحيلة خاصة إذا أدركنا كلفة غيابها. أول هذه الشروط العمل على بلورة وفاق فلسطينى فعلى وعملى حول استراتيجية وطنية فلسطينية. ثانى هذه الشروط البحث الجدى فى تفعيل مبادرة السلام العربية التى أقرت فى «قمة بيروت» عام ٢٠٠٢ ويوفر الاجتماع التشاورى لوزراء الخارجية العرب فى الدوحة الأسبوع القادم الفرصة الضرورية لهذا الأمر لبلورة خطة عملية للتحرك على الصعيد الدولى بغية إحياء عملية السلام على أساس المرجعيات المعروفة وحسب صيغة وخريطة طريق وجدول زمنى يجرى الاتفاق عليها مع الأطراف الدولية المعنية. وثالثا مبادرة الأطراف الدولية المعنية أيضا بالأمن والاستقرار الإقليمى فى الشرق الأوسط بتشجيع عربى، نرجو أن ينتج عن لقاء الدوحة ولقاءات أخرى قد تنتج عنه، للبحث فى تعاون عربى دولى بغية إطلاق قطار السلام، والمتوقف منذ زمان، ومواكبته إلى محطته النهائية مستفيدين كما نذكر دائما من دروس الأمس القريب والبعيد. فهل يستمر منطق المناشدة هو السائد فى الدبلوماسية العربية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أم نتحول أمام ما أشرنا إليه من متغيرات إلى اعتماد فعلى وفعال لمنطق المبادرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved