عودة أفريقيا إلى صندوق النقد الدولى

قضايا إفريقية
قضايا إفريقية

آخر تحديث: الثلاثاء 31 مايو 2022 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

نشر معهد الدراسات الأمنية مقالا بتاريخ 25 مايو للكاتبين رونالد جوبالداس ودانيال فان دالين تناولا فيه أسباب رجوع الدول الأفريقية إلى طلب المساعدات من صندوق النقد الدولى، بعدما كانت القارة تاريخيا تبتعد عن الصندوق لمشروطياته وبرامجه غير المرتبطة بظروف وواقع الدول... نعرض منه ما يلى:
ليس سرا أن معظم الاقتصادات الأفريقية عانت خلال السنوات الأخيرة، وتضررت الموارد المالية بشدة من جراء أزمتين عالميتين ــ جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية. شهد عام 2020 أول ركود لأفريقيا منذ 25 عاما؛ حيث انهارت الاقتصادات فى ظل هروب رأس المال، وهبطت أسعار السلع الأساسية، وانتشر الوباء. على الرغم من التحسينات التى صاحبت عام 2021، إلا أن الدول استمرت فى خوض حرب ثلاثية؛ الديون والمرض والعجز. أشارت توقعات عام 2022 إلى الدخول فى مرحلة التعافى من الجائحة، إلى أن قامت الحرب الروسية الأوكرانية وأنصب الاهتمام على مواجهة المخاطر.
فى ظل هذه الأزمات، سعت الحكومات إلى الحصول على مساعدة مالية لتخفيف العديد من الضغوطات ــ بما فى ذلك الارتفاع السريع فى أسعار الغذاء والوقود. اتجهت الدول إلى صندوق النقد الدولى بشكل لم يكن متوقعا؛ فتاريخيا كانت تنظر أفريقيا إلى صندوق النقد الدولى بعين الريبة، نظرا لبرامجه من التقشف والتكيف الهيكلى. ولكن يبدو أن الوضع يتغير الآن، حيث يعمل صندوق النقد الدولى حاليا فى 20 دولة من أصل 54 دولة فى إفريقيا، ولا تزال الأرقام فى تزايد.
لجأت دول عديدة خلال الاثنى عشر شهرا الماضية، بما فى ذلك زامبيا وموزمبيق، إلى صندوق النقد الدولى طلبا للمساعدة. كان كلا البلدين يواجهان تحولات مفصلية. يأتى برنامج التسهيلات الائتمانية الموسعة (ECF) الذى تمت الموافقة عليه أخيرا فى موزمبيق فى الوقت الذى تسعى فيه إلى تعزيز دعم المستثمرين قبل الطفرة التى ستواجهها فى غازها المسال. كما أن التسهيل الائتمانى المعلق فى زامبيا يعد حيويا لها لسد فجوة المصداقية مع أصحاب المصلحة فى ظل استمرار عملية هيكلة الديون.
فى نفس الوقت، دول مثل كينيا تعد «مستخدمين اعتياديين» لصندوق النقد الدول؛ بين عامى 2011 و2022، حصلت كينيا على برنامجين للتسهيلات الائتمانية الموسعة واثنين من التسهيلات الائتمانية الاحتياطية كتأمين فعال ضد التحديات الخارجية والداخلية.
بالنظر إلى النفور الأفريقى السابق من صندوق النقد الدولى، يعد هذا تحولا كبيرا فى موقف القارة. السؤال الآن هو؛ ما الذى يدفع إلى هذا التقارب مع صندوق النقد الدولى؟
• • •
هناك عدة أسباب وراء الاتجاهات الحالية، أولها الأثر الاقتصادى للوباء. يعد صندوق النقد الدولى المقرض الأخير للعديد من الدول فى ظل غياب السبل الأخرى، حيث قدم المساعدات المالية الطارئة وخفف من أعباء خدمة الدين. أداؤه الجيد فى وقت الأزمة ولد شعورا بحسن النية بين الدول الإفريقية.
الثانى هو التحول فى نهج صندوق النقد الدولى. سعى صندوق النقد الدولى إلى معالجة الانتقادات التاريخية التى لحقته، وتغيير سياساته التى كان ينظر إليها على أنها غير مناسبة، واتجه إلى تبنى سياسات أكثر واقعية تحت قيادة كريستالينا جورجيفا. وبرغم ما يشير إليه البعض من أن هذه الخطة تعد إيجابية، إلا أن بعض النقاد يرى أن الصندوق أصبح يساريا فى توجهه السياسى، وغالبا ما يتساهل مع الأسواق النامية التى تسىء استخدام ما يقدمه وتعيش بطريقة تفوق إمكاناتها.
ثم هناك القوة الناعمة. نظرا لأن معظم تمويل الصندوق يأتى من الولايات المتحدة، فمن المحتمل أن يكون صندوق النقد الدولى أداة رئيسية لواشنطن لتوسيع نفوذها فى أفريقيا، لا سيما بالنظر إلى المنافسة الحالية على القوة العالمية. مع اشتداد التنافس بين الولايات المتحدة والصين والانقسامات فى النظام متعدد الأطراف فى أعقاب الأزمة الأوكرانية، أصبحت أفريقيا منطقة مهمة لقوى النظام الدولى لتوسيع نفوذها الاستراتيجى بعد الوباء.
ثالثا: هناك مزايا تصب فى صالح الحكومات الأفريقية. يتطلب الوضع الحالى فى العديد من الدول إصلاحات صعبة سياسيا، واستخدام صندوق النقد الدولى باعتباره «شرطيا سيئا» قد يسمح لهم بالحفاظ على النظام السياسى وسط ظروف صعبة. مع التكهنات بأن غانا قد تحتاج قريبا إلى صندوق النقد الدولى لتخفيف بعض ضغوطها الاقتصادية، فإن تصريحات صانعى السياسة الذين انتقدوا صندوق النقد الدولى تدل على ذلك. قال وزير المالية الغانى كين أوفورى اتا فى يناير الماضى أنه «عندما كنا فى برنامج صندوق النقد الدولى، لم نتمكن من دفع تكاليف الممرضات والمعلمين. لم نعد قادرين على توظيف العاملين بسبب القيود المفروضة على عملية التوظيف. نسينا بطريقة ما مدى صعوبة وعناد الصندوق. لذلك، يمكننا التعامل معهم حتى يقدموا لنا النصيحة، لكننا لا نحتاج أبدا للانضمام إلى برنامج صندوق النقد الدولى مرة أخرى».
من ناحية أخرى، بدأ ظهور تحولات فى الإرادة السياسية مع التغييرات فى القيادة السياسية التى تشهدها القارة. هذا يشير إلى أن الحكومات مستعدة لتنفيذ المزيد من إصلاحات صندوق النقد الدولى التى لا تحظى بشعبية.
بعدما أصبح فيليكس تشيسكيدى رئيسا لجمهورية الكونغو الديمقراطية وتولى جواو لورينسو منصب رئيس الدولة فى أنجولا فى عام 2018، تم الشروع فى تنفيذ السياسات الإصلاحية لصندوق النقد الدولى. حدث سيناريو مشابه فى زامبيا بعد فوز هاكايندى هيشيليما فى انتخابات عام 2021.
يدعم هذه التحولات فى مواقف الدول أن مصادر التحويل الأخرى مثل سوق سندات اليورو أصبحت أقل جاذبية نظرا لارتفاع أسعار الفائدة وتزايد النفور من المخاطرة فى العالم المتقدم. كما أن الصين انتقائية فى إقراضها الخارجى، بالنظر إلى مخاوفها المحلية المتزايدة.
• • •
يجب على الدول الأفريقية ضمان أن تكون برامج صندوق النقد الدولى بمثابة دعائم للإصلاحات طويلة المدى؛ تسمح لها فى المستقبل بتحقيق الاكتفاء الذاتى وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية. إذا فشلوا فى ذلك، فقد يجدون أنفسهم فى وضع مشابه لوضع الأرجنتين؛ حيث تطلب دعما مستمرا من صندوق النقد الدولى لتبقى واقفة على قدميها.
كان المستثمرون متحمسين لمشاركة صندوق النقد الدولى، حيث يُنظر إلى الشفافية والرقابة والمساءلة فى برامج صندوق النقد كشىء إيجابى للنمو الاقتصادى، كما أنهم يقدرون اتساق سياسة البرامج واستمراريتها. إن معنويات المستثمرين الجيدة لها تأثير غير مباشر على الاستثمار طويل الأجل.
تشير هذه الاتجاهات إلى حقبة جديدة من مشاركة صندوق النقد الدولى. هل ستكون هذه المرة مختلفة؟ فى حين أنه يجب أخذ شكوك النقاد على محمل الجد نظرا للتجارب السابقة، إلا أنه من الجدير النظر إلى السياق الحالى قبل إصدار أحكام عاطفية.
برامج صندوق النقد الدولى إذا تم استخدامها بشكل عملى لمعالجة القضايا الهيكلية بالتنسيق مع ترتيبات التمويل الأخرى، فيمكن أن تكون فعالة فى مساعدة القارة على الخروج من ضائقتها الاقتصادية الحالية.

ترجمة وتحرير: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved