«فوبيا» فى الاتجاه الخاطئ

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 31 يوليه 2017 - 8:40 م بتوقيت القاهرة

ما بين إعلان إثيوبيا عن بناء 60 % من سد النهضة وبدء تخزين مياه النيل خلفه بما يهددنا بشبح العطش والفقر المائى، وبين توقيع إسرائيل اتفاقية ضخمة مع الصين لتوسيع ميناء أشدود وربطه بالسكة الحديد بميناء إيلات ليكون بديلا لقناة السويس، يبدو وكأن هناك تحالفا إثيوبيا ــ إسرائيليا لتصدير سلسلة أزمات طاحنة إلى مصر من النهر إلى البحر، فى وقت لا تبدو فيه أوضاعنا السياسية والاقتصادية الداخلية فى أفضل أحوالها، لكى تؤهلنا لاتخاذ أى ردود فعل صارمة تجاه هاتين الدولتين، بل أصبح لزاما علينا أن نعيش فى «فوبيا إسقاط الدولة"!.
منذ أيام الرئيس محمد مرسى مرورا بالرئيس المؤقت عدلى منصور وحتى الآن، لم تكن مواجهاتنا لمخططات إثيوبيا لبناء سد النهضة على المستوى المطلوب، فشلنا فى التفاوض معها لكى تبنى سدها على أحد الأنهار الأخرى التى تجرى فى أراضيها، ثم تقاعسنا عن إقناع الدول الإفريقية بعدالة حقوقنا التاريخية فى مياه النيل، وبضرورة احترام اتفاقيات توزيع مياه النهر، وخضعنا لابتزاز عواصم إفريقية كانت تربطنا بها علاقات دم وأخوة، حتى أصبح شريان الحياة لملايين المصريين أداة ضغط محتمل فى يد إثيوبيا أو من يقف خلفها، تستطيع من خلالها ــ نظريا حتى الآن ــ أن تهدد أمننا القومى، واستقلالية قرارنا الوطنى.
ومع تنفيذ اتفاقية الحدود البحرية مع السعودية، بدأت مخططات إسرائيل تتجاوز مجرد توسيع ميناء أشدود بالتعاون مع الصين باستثمارات تبلغ 2 مليار دولار، إلى سعيها لتنفيذ حلم بن جوريون بحفر قناة تربط هذا الميناء الذى يطل على البحر المتوسط بميناء إيلات على البحر الأحمر، أو بإنشاء خط سكك حديدية بينهما، يتوقع الخبراء الإسرائيليون أن يحقق مكاسب جيوسياسية للصين ولأوروبا ولإسرائيل، مع أرباح ضخمة تبلغ 4 مليارات دولار سنويا من حصة قناة السويس فى مصر، من الممكن أن تتضاعف إذا نشبت حرب بين البلدين!.
حتى الآن، لا أحد فى مصر يدرى ــ على وجه الدقة ــ ما هى أبعاد المؤامرة التى تستهدف اسقاط الدولة، وتستدعى نشر «الفوبيا» بين المصريين، هل هو الإرهاب الذى تدعمه قطر؟! أم مشاريع الفوضى الخلاقة التى كانت تتبناها الإدارات الأمريكية السابقة صراحة وتنفذها إدارة ترامب فى الخفاء؟! أم أن هناك طابورا إخوانيا خامسا يخطط وينفذ هذه المؤامرة؟!
الغموض الذى يحيط بأهداف هذه «الفوبيا»، يقابله اطمئنان تجاه الأخطار المحدقة بالنيل وقناة السويس، لم يطالبنا أحد فى السلطة أن نشعر حتى بالقلق وليس بالفوبيا منها، مع أن كل الشواهد تؤكد أن هذه الفوبيا المنشودة قد أخطأت طريقها وأخذت مسارات أخرى بعيدة عن إثيوبيا وإسرائيل.
قد نعانى فى مصر الآن ولسنوات مقبلة من صعوبات اقتصادية خطيرة، وأزمات معيشية طاحنة، لكن معاناتنا الأهم تتمثل فى هذا الارتباك فى مواجهة التحديات الاستراتيجية التى لا تهدد فقط استقرارنا بل تهدد وجودنا نفسه، فالعقل السياسى المصرى فى المرحلة الراهنة يبدو عاجزا عن تحديد أولويات أمننا القومى، ووضع أجندة بأهدافنا السياسية على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، وآليات تحقيقها.
بدون أن تتشارك الرئاسة والخارجية والدفاع ومستشارو الأمن القومى ومراكز بحوث وخبراء فى صناعة القرار، وأن تحرص كلها على أن يحظى هذا القرار بالقبول الشعبى حتى يكتسب شرعيته الواجبة، لن يكون سد النهضة آخر أزماتنا، ولن تكون قناة إسرائيل البرية أو البحرية آخر هواجسنا!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved