ورش الكتابة مع الآخر

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 1 أغسطس 2021 - 1:18 ص بتوقيت القاهرة

صار دارجا فى الآونة الأخيرة أن نجد فى بداية أو نهاية رواية جديدة شكرا موجها إلى مدرب أو آخر كانت لورشة الكتابة التى أدارها وشارك فيها المؤلف أكبر الأثر فى خروج هذا العمل أو ذاك إلى النور. نفهم من كلام المؤلف بعدها أنه كان يقف حائرا أمام مشروعه الأدبى، وساهم مدرب الورشة فى توجيهه أو تشجيعه أو مساعدته ليصل العمل إلى مستوى النشر. قد يجد البعض غرابة فى هذه الفكرة، خاصة أن فعل الكتابة ارتبط طويلا فى المخيلة العامة بصورة المؤلف الموهوب الذى يبحث عن فرصة ويجلس وحيدا لساعات أمام الورقة البيضاء. هنا نلاحظ الفارق بين مدرستين، واحدة تقليدية، الكتابة فيها فعل فردى ومتفرد يتعلق بعبقرية الشخص وموهبته الفذة، ومدرسة أخرى مستلهمة من النموذج الأمريكى تقوم على فكرة العمل الدءوب والحرفنة أو اكتساب مهارات مهنية حتى فى مجال الكتابة، تماما مثلما نتعلم عزف البيانو أو الرسم بالألوان المائية أو الحفر على الخشب.
ومع وجود الإنترنت وفى ظل الثورة الرقمية التى نعيشها، غلب تأثير المدرسة الثانية وذاع صيت كُتاب ومدربين بعينهم فى مجال الورش الإبداعية الجماعية التى لا تتعلق فقط بالأدب لكن أيضا بالسينما وإحكام وتطوير السيناريو إلى ما غير ذلك، أصبحت إعلانات ورش الكتابة تلاحقنا على الفيسبوك وخلافه، ونرى صور المشاركين وهم يستمتعون بوقتهم ويكتسبون صداقات جديدة ومهارات فنية مثل رسم الشخصيات وصنعة الحوار وإجادة الحبكة أو النهاية. قطعا يكون لكل ورشة طابع مختلف بحسب شخصية المدرب وطبيعة موضوعها، إلا أنه إجمالا تقوم تركيبة الورش على ثلاث مراحل: مرحلة أولى للمقترحات، ثانية للكتابة، وثالثة للاستماع والتجاوب وتبادل الآراء والنقاش حول المُنتج فى جو من الثقة والأريحية. ننتقل هنا من فكرة الأدب الذى كان يقتصر على فئة بعينها وقلة قليلة من الموهوبين أو من النخبة المثقفة أيا كان عمرها إلى فكرة «الكتابة حق للجميع» و«نحن جميعا قادرون»، كما يـتأرجح فعل الكتابة بين الفردى والجماعى، فالمشارك فى الورش يجلس ويكتب ضمن آخرين، لم يعد وحيدا أو معزولا، بل يستمع لآرائهم وعلى الأغلب يأخذ بها.
•••
قد يكون الهدف من ورشة الكتابة الإبداعية علاجيا أى مجرد مساعدة المشاركين فى التعبير عن أنفسهم والبوح والتخلص مما يثقل قلوبهم بوضعه على الورق، مجرد محاولة لمعرفة الذات بشكل أعمق أو حتى للهروب، لذا قد تنظم داخل سجن أو فى مشفى أو عيادة طبيب أو أى مكان آخر. وقد يكون الغرض منها إبداعيا وأدبيا صرفا، فتظهر المواهب وتنطلق ويكتسب البعض ثقة بالنفس كانت تنقصهم، إذ كانوا مثلا يكتبون منذ زمن بعيد لكن لا يجرؤون على قراءة أعمالهم أمام الآخرين أو لا يطلعون أحد عليها، ثم يتشجعون بسبب الورشة التى يوحى اسمها بأن الكتابة فعل يدوى، حِرفى، يؤتى على مهل، يحتاج إلى تعلم صنعة. الأمر نفسه قد يستدعى عدة مخاوف، على رأسها أن يحدث نوع من «القولبة»، أن يكتب كل هؤلاءــ رغم موهبة بعضهم التلقائيةــ وفق معايير محددة قد تحرم القراء من متع حقيقية ومن شطحات لا غنى عنها فى الحياة والفن، أن يقع المشاركون أحيانا فى فخ النمطية، «ما يجب وما لا يجب»، فى عيب التفكير أكثر من اللازم، فى الوعى الشديد بما يحدث خلال الكتابة فيفقدها ذلك شيئا من ذاتيتها وتلقائيتها.
•••
صارت بعض دور النشر المعروفة حول العالم تنظم مثل هذه الورش أو الدورات، ولحقت بها بعض الصحف الأدبية الشهيرة، جنبا إلى جنب مع جهات أخرى مختلفة تخصصت فى هذا المجال على مدار السنين بمقابل مادى يتوقف على نجاحها وصيتها، فموضة ورش الكتابة التى نعرفها حاليا فى مصر ظهرت فى الولايات المتحدة الأمريكية فى أربعينيات القرن الماضى، ومعها انتشرت دروس الكتابة الإبداعية فى الجامعات، ثم انتقلت إلى أوروبا خلال السبعينيات والثمانينات. وقد ارتبطت أحيانا كما هو الحال فى فرنسا بالظرف السياسى إذ انتشرت هناك بعد أحداث مايو 1968 وما تبعها من ثورة على التقاليد، وأظن هو ما ينطبق علينا أيضا، ففى كثير من الأوقات يتعلق الموضوع برغبة فى «دمقرطة» الكتابة والتمرد على فكرة النخبة والقلة القليلة المصطفاة فى كل شيء، فى التعبير عن النفس وممارسة الحرية الشخصية، ما يبرر أن تكون نسبة المشاركات من النساء كبيرة فى مثل هذه الفاعليات. تصبح الكتابة فى هذا الإطار فعلا سياسيا، رغبة فى تأكيد الوجود والحضور بالكلمة، وذلك بالطبع دون إغفال الشق التجارى للموضوع. ونحن فى انتظار ما ستسفر عنه أدبيا ومجتمعيا فى الفترة القادمة، فى انتظار تبعاتها سواء السلبية أو الإيجابية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved