شرعيتان مطلوبتان فى آن واحد

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 31 أكتوبر 2013 - 12:25 م بتوقيت القاهرة

لا يتعب الّنَاشطون فى الحياة السياسيَّة العربية من وضع الأمَّة أمام خيارين، ومن الإصرار على أن تختار الأمّة أحدهما. لقد ساهم هؤلاء فى دفع الإنسان العربى نحو العيش فى لعنة الثنائيات الأبدية.

على هذا الإنسان أن يختار بين الدّين والعلم، بين النَّقل والعقل، بين العروبة والإسلام، بين الوحدة العربية والقطرية المتزمّتة، بين القبلية والوطن. عليه أن يعيش مشدودا إلى قطبين متعارضين لا يلتقيان ولا يتعايشان.

نتيجة كل ذلك كانت فوضى فكرية سياسية وصراعات مجتمعية لا تنتهى فى ساحة إلاُ وتبدأ فى ساحة أخرى.

<<<

اليوم فى خضم سيرورة ثورات وحراكات الربيع العربى يطرح البعض ثنائية جديدة تحت شعارى « الشرعية الثورية» والشرعية الانتخابية» وعلى الأمة أن تختار أحدهما. وهذا طرح فيه الكثير من سوء الفهم الذى لا مبرّر له، إذ إن هناك حاجة ملحّة للشَّرعيتين. ذلك أن مجتمعات عاشت أشدَّ أنواع التخلف الحضارى عبر العديد من القرون، واستباح الاستعمار والاستبداد ثرواتها المادية والمعنوية بلا شفقة، وتواجه الآن الاستيطان الصهيونى فى قلبها الجفرافى والمؤامرات الخارجية والداخلية لتفتيتها ولإذكاء الصّراعات المذهبية والدينية والقبلية والعرقية فى جميع اصقاعها، وتبتلع أنظمة الحكم الاستبدادية الفاسدة كل مكونات هذه المجتمعات لتبقيها ضعيفة عاجزة، وتصعد فيها بشكل مذهل وباسم الدين قوى تكفيرية عنفيَّة بالغة القسوة تجاه الأبرياء الغافلين من سكانها، ويتدخّل القاصى والدّانى فى كل شأن داخلى من شئونها....إنّ مجتمعات كهذه ستحتاج إلى شرعية نضالية شعبية سلمية ثورية فى فكرها واستراتيجيات عملها. فالمشى كالسلحفاة لمواجهة كل تلك الأوضاع المفجعة لن يكون أكثر من علاجات جزئية مؤقّتة تتوجّه لتخفيف أعراض الأمراض وليس إلى اجتثاثها وشفائها. إذن هناك حاجة لتغييرات ثورية بمعنى الحاجة لتغييرات جذرية فى الكثير من مظاهر الحياة العربية الخاطئة والمتخلفة. وبالتالى فأى حديث عن التوجه العربى نحو المستقبل خارج إطار مثل هكذا شرعية تغييرية جذرية، أى ثورية، سيكون مسرحية أطفال لاعبين، لا ملحمة أبطال محاربين. لكن هل يعنى تبنّى تلك الشرعية رفضا للشرعية الأخرى، الشرعية الانتخابية؟ لو تّمت حماقة الرّفض تلك فإنُّ أحد أهم أهداف ثورات وحراكات الربيع العربى سُيتخلَّى عنها. بل سيضاف إلى ذلك تخلٍّ عن وسيلة مفصلية من وسائل النضال الثورى. نعم، لقد لاقت وسيلة الشرعية الانتخابية شتّى أنواع التّشويه والاستغلال العبثى من قبل بعض القوى الرجعية والعسكرية العربية. نعم، هناك نقاط ضعف وعلل فى ممارسات هذه الوسيلة حتى فى البلدان التى تدّعى بأنها معاقل وحاضنات الديمقراطية. لكنُّ، بالرغم من كل ذلك، أثبتت البرلمانات عبر عدة قرون من تاريخها الحديث بأنها كانت ساحات لتغييرات كبرى فى الكثير من المجتمعات. ثم إن تحسين أدائها وإبعادها عن الإغواء يمكن أن يكون أحد الأهداف الثورية. إذن نحن أمام خيار واحد وليس أمام خيار فيما بين ثنائيتين. المظلة الكبرى هى الثورية التى لن تتوقف حتى تنقل مجتمعات أمة العرب من وضعها الحضارى البائس إلى وضع تحقق مشروع الأمة النهضوى فى الوحدة والاستقلال والتنمية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتجديد الحضارى. لكن أحد أهدافها ووسيلتها فى آن واحد هو نظام برلمانى ديمقراطى فاعل كامل الصلاحيات ومستقل الإرادة ومدافع فى ذات الوقت ودوما عن أهداف الشرعية الثورية التغييرية الجذرية. إن أية مقابلة بين الشَرعيتين ستخلق البلبلة والشكوك كما فعلت أخوات لها من قبل فى شتى ساحات الأرض العربية.

<<<

المطلوب الآن، وفى المستقبل القريب هو إغناء وتعميق وتوضيح مفهمومى الشرعية الثورية والشرعية الانتخابية لإبعاد أولاهما عن جنون العنف وسفك الدماء العبثى الفاشى المبتذل، ولإبعاد ثانيهما عن الواقع فى أيادى من يخطَطون لثورات مضادة، أو فى أيادى من يحاولون بانتهازية أكل صيد قام به وضحَى من أجله غيرهم.

هذه ليست مهمة أكاديمية لمفكرى وكتاب وإعلاميَّى وقادة المجتمع المدنى السياسى العرب. إنها مهمة نضالية وفكرية يومية لإبعاد ملايين الربيع العربى عن من يحاولون ليل نهار إدخالهم فى صراعات الولاءات الفرعية ليبعدوهم عن الولاء الثورى الديمقراطى للوطن، ولا غير الوطن.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved