هوامش حول زيارة نتنياهو لسلطنة عمان

محمد مجاهد الزيات
محمد مجاهد الزيات

آخر تحديث: الأربعاء 31 أكتوبر 2018 - 10:55 ص بتوقيت القاهرة

قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بزيارة إلى سلطنة عمان مساء الخميس الماضي حيث التقى مع السلطان قابوس، وذكرت المصادر الإسرائيلية أن الزيارة تمت بطلب من نتنياهو، وأشار البيان المشترك بعد الزيارة إلى أن كلا من نتنياهو والسلطان قابوس قد بحثا سبل دفع عملية السلام الفلسطيني الإسرائيلي وقضايا ذات اهتمام مشترك تتعلق بتحقيق الاستقرار في المنطقة، وأن الزيارة تعتبر خطوة في إطار تنفيذ سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي لتعزيز العلاقات مع دول المنطقة من خلال التأكيد على الخبرة الإسرائيلية في الأمن والتكنولوجيا والاقتصاد، وقد ضم الوفد الإسرائيلي كل من رئيس الموساد ومستشار رئيس الوزراء للأمن القومي والسكرتير العسكري لنتنياهو ومدير عام وزارة الخارجية في إشارة واضحة إلى طبيعة الأهداف الإسرائيلية المرجوة من هذه الزيارة.
لا تعتبر هذه الزيارة اختراقاً إسرائيلياً للعلاقات مع سلطنة عمان، فقد سبقها زيارة إسحاق رابين عام 1994 وشيمون بيريز عام 1996 كما شارك وزير الشئون الخارجية العماني في تشييع جنازة إسحاق رابين في تل أبيب، كما سبق افتتاح مكتب للعلاقات بين البلدين تم تجميده بعد الانتفاضة الثانية. ومن الجدير بالذكر، أن طائرة نتنياهو قد عبرت ولأول مرة – حسب مصادر صحفية إسرائيلية – المجال الجوي البحريني والسعودي، وهو أمر لم تعقب عليه السلطات في البلدين.
جاءت هذه الزيارة في أعقاب زيارة الرئيس الفلسطيني "محمود عباس أبو مازن" لمسقط والتي استمرت ثلاثة أيام في أطول زيارة له إلى السلطنة، وقد أوضح وزير الشئون الخارجية العماني في أعقاب زيارة نتنياهو أن السلطنة لا تقوم بدور الوساطة بين الفلسطينين وإسرائيل ولكنها تقوم بما أسماه هو "التيسير" بين الطرفين وهو مصطلح جديد وغير متداول من قبل، كما أكد أنه لا توجد خطة لدى السلطنة لتطرحها على الجانبين.
ومن الثابت أن سلطنة عمان قد قامت من قبل بأدوار وساطة في عدد من القضايا الهامة في المنطقة، خاصة مباحثات التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني وكذلك الأزمة اليمنية فضلاً عن محاولاتها القيام بدور في الأزمة السورية، ويعتبر دور الوساطة أحد محركات السياسة الخارجية العمانية التي تستفيد من حيادية مواقفها لتوفير المناخ الملائم للقيام بهذا الدور.
***
وفي محاولة لاستكشاف أبعاد زيارة نتنياهو لمسقط، يمكن الإشارة إلى ما يلي:
أولا: إن تشكيل الوفد الإسرائيلي قد ركز على الخبرات الاستخبارية والأمنية وهو ما يعني أن الملف الأمني كان محوراً أساسياً في مشاروات الزيارة وهو ما يؤكده ما ورد في البيان الإسرائيلي بأن نتنياهو كان معنياً بالتأكيد على الخبرة الإسرائيلية في مجال الأمن، ولعل الصورة التي توضح قيام نتنياهو بعملية شرح على خريطة للحدود العمانية تشير إلى ذلك بوضوح.
ثانيا: تأتي هذه الزيارة في أعقاب ما طرحه نتنياهو على مدى العام الماضي في العديد من المناسبات والمحافل سواء المحلية أو الدولية والتي أوضح فيها نجاحه في تنفيذ سياسته لتعزيز العلاقات مع دول المنطقة كإنجاز أساسي له ولحكومته، ساعده على ذلك تصريحات الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" حول ما قامت به بعض الدول الخليجية من مواقف إيجابية خاصة بإسرائيل.
ثالثا: تهدف هذه الزيارة بالنسبة لإسرائيل إلى تأكيد حضورها بشكل مباشر في المنطقة من خلال التأكيد على فكرة المصالح المشتركة بين تل أبيب وعواصم الدول العربية والتي تتطلب نوعاً من التنسيق المشترك في ظل التحديات المشتركة التي تواجه جميع الأطراف، وهو ما قد يسهم في انفتاح إسرائيلي على الدول العربية خلال الفترة المقبلة.
رابعا: رغم أن الموقف العماني يركز على ما يسمى بعملية "التيسير" بين الفلسطينيين والإسرائيليين والتي يمكن أن تُفهم على أنها محاولة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين أو جسر الهوة القائمة في مواقفهما، إلا أن هناك علامات استفهام كثيرة حول هذا الدور، فالسلطنة لا تمتلك أوراق ضغط أو تأثير واضح على الأطراف الفلسطينية سواء السلطة أو حماس، كما أن الرئيس الفلسطيني لديه خطوط اتصال واضحة مع إسرائيل وتقوم الولايات المتحدة الأمريكية ودول الجوار خاصة مصر وكذلك الأردن بأدوار مؤثرة فيما يتعلق بالوساطة على هذا المستوى.
خامسا: إن زيارة نتنياهو للسلطنة بالتحديد والتي تحظى بعلاقات قوية مع إيران التي تعتبرها إسرائيل هدفاً رئيسياً لها وتسعى لمحاصرتها، ربما كان مقصود منها محاولة التأثير على ذلك التميز في العلاقات الثنائية بين مسقط وطهران نسبياً، ولا يُستبعد هنا أن يكون رئيس المخابرات الإسرائيلي قد نقل معلومات إلى السلطنة يمكن أن تفيد في هذا الأمر.
سادسا: تدرك إسرائيل أن الدور المصري سوف يبقى الدور الأساسي فى ملف التسوية أو المصالحة ولا تسعى للتشويش عليه، غير أن هذه الزيارة تشير إلى رغبة إسرائيل في توظيف طرف عربي جديد للقيام بدور الوساطة مع الفلسطينيين ولكن وفقاً للرؤية الإسرائيلية في هذا الخصوص.
سابعا: إن ترحيب إسرائيل بقيام السلطنة بدور فى ملف التسوية يرتبط فى جانب منه لفشل قطر على هذا المستوى واستياء الرئيس الفلسطينى مما قامت به لتخفيف الضغوط على حماس وهو ما يعرقل المصالحة، وأن ذلك يوفر من وجهة النظر الإسرائيلية - من ناحية شكلية - مسار إضافى للتحرك ينعكس إيجابيا على العلاقات الثنائية بين البلدين.
ثامنا: تأتي هذه الزيارة لتحمل رسالة من سلطنة عمان إلى باقي الدول العربية، مفادها أن السلطنة قادرة على القيام بدور في الصراع العربي الإسرائيلي استناداً إلى دورها المعروف تاريخياً في المنطقة.
***
وبالتالي، فإن مراجعة تطور العلاقات الثنائية بين سلطنة عمان وإسرائيل وطبيعة الموقف والسياسة الإقليمية للسلطنة والتميز الواضح لها، حتى داخل الإطار الخليجي، يجعل منها هدفاً رئيسياً لإسرائيل لترجمة مساعي نتنياهو للتأكيد على أن مسار التطبيع الإسرائيلي العربي يحقق تقدماً ملحوظاً ولا يرتبط بالضرورة بمسار التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي أو حل المشاكل الكامنة في هذا الملف ومحاولة إرساء أرضية مصالح مشتركة ومواقف عربية تكفل قبولاً إسرائيلياً داخل الإطار الإقليمي، وهو ما يتوافق في النهاية مع استراتيجية الرئيس الأميركي ويساهم في توفير مناخ وفرص إيجابية للتحالف التي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لتشكيله في المنطقة والموجه أساساً ضد إيران وكذلك ما يسمى بصفقة القرن.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved