بين الهنا والهناك

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 31 أكتوبر 2021 - 7:05 م بتوقيت القاهرة

لا تستطيع أن تعود من هناك إلا أن تقارنها بهنا. فالمقارنة رغم صعوبتها هى ما تطاردك فيما أنت تردد بينك وبين نفسك أن تلك عادة سيئة لا تجنى منها إلا كثيرا من التعب النفسى.. ولكن عينيك ترسل كثيرا من الإشارات إلى عقلك وهى فى إجمالها تعيدك إلى نفس تلك العادة التى دربت نفسك طويلا على أن تتخلى عنها رغم انتشارها.
•••
تعود إلى هنا حيث أنت وهناك حيث ترحل بين الفينة والأخرى ربما لدواعى العمل وليس الترفيه والنزهة والتى تصدمك بصرامة أنظمتها وقوانينها وتطبيق تلك القواعد فى المعيشة اليومية.. فالشوارع نظيفة، وهى عملة نادرة فى كثير من عواصمنا وليس قرانا، ثم الالتزام بتعاليم المرور والسير والصحة وكل الممارسات اليومية الشخصية جدا تبقى شخصية وخاصة حتى تتعدى أنت أو غيرك على مساحات الآخرين فتعاقب. والعقاب قد يختلف من الغرامات والمخالفات إلى النظرات المليئة بالازدراء و«القرف» من هكذا «بشر» لا يراعون إلا أنفسهم فقط ولا يعرفون أن الكون يتسع للجميع لو التزم كل فرد بما له ويخصه فقط وراعى الآخرين حوله حتى العابرين منهم سريعا.
•••
ترى هى الديمقراطية؟؟ ربما رغم عيوبها الكثيرة وهفواتها والثقوب الصغيرة التى يتسلل منها الفاسدون والحاقدون والرافضون والمتعالون.. نعم هى بهفواتها تجعل من هناك أكثر نظاما واحتراما وصونا لكرامة الإنسان مهما كان لونه أو شكله أو جنسه أو دينه أو طائفته حتى لدى الكارهين له.. نعم كثير من النازيين والرافضين للآخرين وكارهى كل ما لا يشبههم، وأصحاب «الإسلاموفوبيا» وكل أنواع «الفوبيا» هم من هناك ولكن تمنعهم كل الأنظمة والقوانين من الاعتداء على الآخر المختلف وإن فعلوا فهناك أنظمة وقوانين قليلا ما تكون «الواسطات» والمحسوبيات والسلطات العليا مسيطرة عليها سيطرة تامة. هذا لا ينكر أن هناك أيضا تخفى المعلومة وتبقى طى الكتمان إلا إذا ما تقادمت كثيرا أو حتى عند ذاك لا نزال لا نعرف من قتل الرئيس الأمريكى كندى وآخرين كثيرين مثله.
•••
كل تلك نواقص أو بعض منها ربما ولكن هذه هنا هى المشهد الوحيد عينه ولا ثانى ولا ثالث له.. هنا تخاف أن يعرف جارك أنك لست من لونه كيف ما كان ذاك اللون!! ينتفض هو «ليشتم اللى خلفوك» وتبقى أنت هنا واقفا لا خوفا منه ولكن من نقص عدالتهم أو عدمها!! هنا إن بحت بأنك لا تتفق مع تلك الهجمات على من يختلف فى الرأى فقط. فهو أو هى لم يحمل المدافع الرشاشة ولا الكلاشنكوف ولا يملكون طائرات تقصف المدنيين حتى آخر نفس لطفل رضيع.. هنا أنت وحدك حتى لو كنت على حق وعليك أن تلتزم الصمت أو أن توصف بالشجاعة أو اللامبالاة وانعدام الإدراك بأن النتائج قد تكون وخيمة.. هنا عندما قال والدك كلمته ورحل ففتحت تلك البلاد فى أقاصى الشمال أبوابها له وأعطته صفة «لاجئ سياسى» وتمر السنون فيصبح ابنه نائب عمدة للعاصمة.. منصب لم يكن يحلم به أبوه ولا جده ولا ابنه الذى لا يزال فى بطن أمه.
•••
أليست غريبة تلك الهناك وتبعاتها من احترام لبعض الحريات وصيانة لبعض الكرامات!! فهى كل أمانى وطموح كل من هم هنا.. تقول هى بصوت ملىء بالحزن «لن يكون لك مكان هنا فأنصحك بالرحيل إلى هناك». تعالى فاشترى منزلا متواضعا تدفعين ثمنه من تعب الأيام والسنين الطويلة فهناك ستحفظ لك كرامتك وستصونين آدميتك وتبقين غريبة ربما ولكن ألستِ غريبة فى الهنا؟ ألستِ فى الهنا تبحثين عن عشة غير مغمسة بكثير من الذل فيما القصور تبنى بأسوارها العالية خوفا من من هم مثلك هنا؟؟ وربما بجانب تلك العشة «جنينة» صغيرة تزرعين فيها الريحان والنعناع وكثيرا من الياسمين و«الرازجى» البلدى.. تعالى هناك وزورى هنا بدلا من أن تبقى هنا حتى تخافى ظل الكلمة المختلفة عنهم!!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved