التكنولوجيا وتأثيرها السيئ على عالمنا
محمد زهران
آخر تحديث:
الجمعة 31 أكتوبر 2025 - 10:00 م
بتوقيت القاهرة
لماذا يجب أن نأخذ حذرنا عند استخدام التكنولوجيا؟
هل كلّ التكنولوجيات المستخدمة محايدة ونحن من يستخدمها للخير أو الشر؟
كيف نتصرف، خاصةً وأننا لن نستطيع الاستغناء عن الكثير من التكنولوجيات؟
عنوان هذا المقال قد يثير نوعين من ردود الأفعال: الأول أن يقول البعض إن التكنولوجيا مجرد أداة، واستخدامنا لها هو ما يحدد النتائج الحسنة من السيئة، والثانى أن يظن البعض أن هذا العنوان لمجرد جذب القارئ، وأنه من الطبيعى أن أية تكنولوجيا لها «أعراض جانبية». هناك شىء من الصحة فى كل من القولين، لكن ما سنناقشه أو ما سنحاول فهمه هو: هل يوجد فى أية تكنولوجيا بذور الاستخدام السيئ؟ أى إن من صنعها يعلم أن بها هذا الخطر؟ وما الذى يدفع الإنسان إلى التوجه إلى الاستخدام السيئ؟ هذا ما سنتحدث عنه فى مقالنا اليوم.
إذا نظرنا إلى الاختراعات التكنولوجية بوجه عام سنجد أنها تظهر للوجود من رحم النظريات العلمية، لسبب من عدة أسباب:
• هناك مشكلة مُلحّة تواجه العالم، وبالتالى يحتاج إلى وسائل لمواجهتها، ومثال ذلك: اللقاحات ضد الفيروسات والميكروبات، وعلاج الأمراض، إلخ.
• روّاد الأعمال وجدوا أن هناك ما يمكن تحسينه فى هذا العالم، وبالتالى تولدت الاختراعات التكنولوجية مثل وسائل الاتصالات ووسائل الانتقال، إلخ.
• لا توجد مشكلة مُلحّة أو مهام تحتاج تحسينًا، لكن رواد الأعمال وجدوا فرصة لجعل الناس تُعجب باختراع ما وتشتريه، والأمثلة على ذلك كثيرة، مثل أجهزة التابلت التى تقع بين التليفون الذكى المحمول وبين أجهزة الكمبيوتر المحمولة. إذا لم يظهر التابلت لما شعرنا أن شيئًا ينقصنا، وهذا مثال واحد على قدرة وسائل التسويق والإعلان على السيطرة على تفكير الناس.
لكن هل كل هذه الاختراعات أدوات حيادية ونحن من نسىء استخدامها؟
• • •
هل الاختراعات التكنولوجية أدوات حيادية فعلًا؟
هناك بعض الاختراعات لها جانب سيئ لكن دون قصد من مخترعيها؛ فمثلا الأدوية لها أعراض جانبية، وتتفاوت الأعراض الجانبية بحسب كل شخص، فالجسم البشرى لم يكشف عن كل أسراره بعد، والعلم لم يتوصل حتى الآن إلى علاجات بلا أعراض جانبية، لذلك فلا حيلة لنا هنا. طبعًا لا نتحدث عن شركات تطرح أدوية أقل كفاءة وهى تمتلك الأحدث حتى تسترد ما صرفته فى البحث العلمى للدواء الأقل كفاءة؛ فهذه تصرفات إجرامية.
عندما عرض ستيف جوبز، مؤسس شركة آبل، جهاز التابلت الذى ابتكرته شركته سنة 2010، وقدمه بطريقته المسرحية المعروفة وأشاد بأهمية الجهاز وسحره، إلخ، لكنه لم يسمح لأطفاله باستخدامه حتى سن السادسة عشرة، وهذا ما شرحه آدم ألتر، أستاذ التسويق بجامعة نيويورك، فى كتابه (Irresistible) أو «لا يُقاوَم»، وهو يتكلم عن إدمان التكنولوجيا والوسائل التى تستخدمها الشركات لتزيد من إدماننا عليها.
هذا معناه أن هناك تكنولوجيات مولودة وفيها جانبها السيئ عن عمد، بل إن هذا الجانب السيئ هو الذى يجعل الشركات تربح. عندما نجعل أطفالنا يجلسون أمام الشاشات لمدد طويلة ومن سن صغيرة فإن هذا يؤثر على درجة التركيز، وعدم القدرة على التعمق فى موضوع ما، إلخ. لكن استخدام الشاشات لمدد طويلة يعنى شراء تلك الأجهزة والاشتراك فى منصات الأفلام والأغانى والألعاب، وإعطاء معلومات مجانية لبرمجيات الذكاء الاصطناعى عنّا وعن البيئة المحيطة بنا، وفى المقابل ندمن التكنولوجيا.
هناك نوع آخر من التكنولوجيات نحن من نستخدمه بطريقة خاطئة، مثل استخدام الذكاء الاصطناعى لعمل الواجبات المدرسية للتلاميذ أو الأبحاث الجامعية للطلبة، ناهيك عن أن تلك البرمجيات من الممكن أن تعطى إجابات خاطئة فى بعض الأحيان، وهو ما يُطلق عليه (Hallucinations) أو «الهلوسة». هناك الكثير من الأبحاث تُجرى الآن للتقليل من تلك الهلوسة وتحقق بعض النجاح، لكن هذا معناه أن الشركات صانعة تلك البرمجيات قدّمت تلك المنتجات التكنولوجية للناس قبل أن تكون بالجودة الكافية، وذلك حتى لا تترك السوق للمنافسين؛ إذًا الشركات تتحمل بعض المسئولية هنا، لكن نحن نتحمل الجزء الأكبر.
• • •
ما الذى يدفع الإنسان لسوء استخدام التكنولوجيا؟
الاختراعات التكنولوجية لها فوائدها (فى الأغلب)، لكن الناس تستخدمها فى بعض الأحيان بطرق تجعل مساوئ التكنولوجيا تطغى على محاسنها. ولا نتكلم عن الأسلحة (وهى اختراعات تكنولوجية) ولكن عن الاختراعات التكنولوجية الأخرى. فما الذى يدفع الإنسان لتغليب المساوئ على المحاسن؟
• التعلق الشديد بهذه التكنولوجيا بشكل مرضى؛ هذا الإدمان التكنولوجى، إذا صح تسميته كذلك، يجعل مساوئ التكنولوجيا تطغى. مثلا هناك من يستخدم (ChatGPT) وكأنه صديقه أو طبيبه النفسى ويقضى ساعات فى الحديث معه، وهذا يؤدى إلى الانطواء ويزيد من الوحدة، وقد يؤثر على حياة الشخص الأسرية والعملية، خاصة وأن هذا الشخص يعلم يقينًا أنه يتحدث مع برنامج وليس شخصًا حقيقيًا.
• الطمع البشرى والرغبة فى السيطرة تجعل الشخص يستخدم التكنولوجيا من أجل التجسس على الآخرين أو ابتزازهم.
• الفضول العلمى القوى الذى يجعل العلماء يستخدمون التكنولوجيا بطريقة تقترب من الحدود اللاأخلاقية وقد تخرج عن السيطرة، مثلا تخليق فيروسات جديدة من باب الفضول، أو التحكم فى الصفات الوراثية (Gene Editing) لبحث إمكانية «صنع» جيل خارق، إلخ. الموضوع يبدأ بفضول علمى ثم قد يخرج عن السيطرة، وهذه النقطة بالذات معين لا ينضب لصانعى أفلام الخيال العلمى.
• سهولة الإيذاء فى بعض التكنولوجيات تجعل البعض يتهور، ونجد ذلك كثيرًا فى منصات التواصل الاجتماعى؛ حيث السبّ ونشر الأخبار الكاذبة يكون سهلًا جدًا لأن الشخص يمكنه إخفاء هويته بل ومكانه.
• القوانين التشريعية والتنفيذية قد لا تكون واضحة أو مكتملة فى بعض التكنولوجيات مثل السيارات ذاتية القيادة، أو استخدام الذكاء الاصطناعى فى المجالات الطبية، مما يشجع البعض على الاستخدام السيئ لتلك التكنولوجيات.
• • •
الاختراعات التكنولوجية تنبع من نظريات علمية، لكن الطريق من المعمل إلى المصنع ملىء بأشخاص يريدون المكسب قبل أى شىء، إلا القليل منهم، حتى ولو طغت مساوئ التكنولوجيا على محاسنها.