أين الإصلاح الاقتصادى؟

صفوت قابل
صفوت قابل

آخر تحديث: الأحد 31 ديسمبر 2017 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

مع تعويم الجنيه والاتفاق على قرض صندوق النقد الدولى أعلنت الحكومة أن ذلك ضمن إجراءات الإصلاح الاقتصادى، وبعد عام أعلن المسئولون نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى، ودليلهم على ذلك اختفاء سوق العملات السوداء وزيادة استثمارات الأجانب فى السندات وأذون الخزانة والبورصة وزيادة الاحتياطى النقدى، وعلى الرغم من ذلك فإن هذه النتائج لم تنعكس على تحسن الأحوال الاقتصادية والمعيشية للمواطنين، بل هناك انتظار للمزيد من الصعوبات المعيشية نتيجة الزيادات المقررة على أسعار المحروقات والكهرباء.

وللتذكرة فلقد مر الاقتصاد المصرى بتجربة مماثلة فى أوائل التسعينيات عند تطبيق برنامج مماثل للإصلاح الاقتصادى فى عهد وزارة عاطف صدقى واشتمل على ثلاثة برامج، كان فى مقدمتها برنامج التثبيت الاقتصادى والذى كان خفض قيمة الجنيه وتحرير سعر الصرف هما العنصران الأساسيان للبرنامج، وأيضا خرج المسئولون وقتها للإعلان عن نجاح الإصلاح الاقتصادى وبعد فترة تزايدت المشكلات الاقتصادية وهو ما أدى إلى التعويم المدار للعملة فى 2003 ثم استمر مسلسل انخفاض قيمة الجنيه واعتبار ذلك حلا لما يواجه الاقتصاد من مشكلات حتى وصلنا إلى التعويم الكبير فى نوفمبر 2016، وبالتالى فهناك التخوف من تكرار نفس السيناريو ونجد أنفسنا بعد كل ما حدث نواجه المزيد من عجز الموازنة وميزان المدفوعات وخاصة فى ظل تزايد حجم الديون الخارجية والمحلية.

ومما يزيد من المخاوف التهليل المبالغ فيه لتقارير المؤشرات الدولية ونتائج المراجعة الدورية لصندوق النقد الدولى بالإشادة بما تم من تنفيذ البرنامج المتفق عليه مع الصندوق، فعلينا أن نتذكر أيضا أن وظيفة الصندوق هى مساعدة الدول الأعضاء التى تواجه عجزا فى ميزان المدفوعات، وبالتالى فإن تركيزه واهتمامه يكون على السياسة النقدية والمالية وكيفية علاج هذا العجز ثم مع الهجوم على سياسات الصندوق وأنها تؤدى إلى المزيد من الإفقار للفقراء، وقد أدخل الصندوق ما يسمى ببرامج الحماية الاجتماعية للفئات المتضررة من برنامج الإصلاح، وبالتالى فإن تصريحات مسئولى الصندوق عن نجاح البرنامج المقصود بها هو السياسة النقدية والمالية وبالطبع لا يدخل فى نطاق برنامجهم السياسات الخاصة بالاقتصاد العينى من صناعة وزراعة وهى القطاعات الأساسية التى توضح حالة الاقتصاد وتسهم فى النمو الحقيقى للاقتصاد. 

***

ويمكن القول إن تحقيق الإصلاح الاقتصادى يتطلب وجود خطة للتنمية الاقتصادية تعمل على زيادة الأهمية النسبية لقطاعى الإنتاج الأساسيين وهما الزراعة والصناعة، فهما اللذان يساهمان فى توفير السلع الأساسية التى يحتاجها الاستهلاك الداخلى أو التصدير مما يسهم فى علاج العجز فى الميزان التجارى وأيضا فإن زيادة المشروعات الصناعية تسهم فى خفض البطالة، ويفترض أن المسئولين قد تعلموا من التجارب السابقة ومن تجارب الدول الناجحة أن مواجهة المشكلات الاقتصادية تتطلب سياسات ناجحة للصناعة والزراعة.

وبالتالى فإن الإنفاق على إنشاء العديد من المدن الجديدة والطرق البعيدة عن العمران والقطار الكهربائى لن تؤدى إلى علاج النقص الكبير فى السلع والخدمات بل ستؤدى إلى المزيد من الديون، وهو ما يمثل ضغطا مستمرا على ميزان المدفوعات، ومن الخطأ الموافقة على ما يردده المسئولون من أن هذه المشروعات يتم الإنفاق عليها من خارج الموازنة، فكل ما يتم إنفاقه هو من موارد الدولة أيا كانت الجهة التى تستحوذ على هذه الموارد، وبالتالى لابد من تحديد أولويات الإنفاق بما يخدم مصالح غالبية الشعب، أما الاعتقاد بأن قانون الاستثمار الجديد سيؤدى إلى تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتفتح المصانع، وستثبت الأيام عدم حدوث ذلك لأن الاستثمارات الأجنبية تأتى كعنصر مشارك لمستثمر محلى غالبا وفى الحالة المصرية نلاحظ تراجع إنشاء القطاع الخاص للمشروعات الكبيرة.

علينا أن ندرك أن الإصلاح الاقتصادى الحقيقى لن يأتى إلا من خلال إصلاح الصناعة والزراعة، ومن المؤسف أنه لا يوجد اهتمام حقيقى بذلك بخلاف التصريحات عن مشروعات لا تتحقق، فمثلا فى الصناعة سمعنا تصريحات عن إنشاء ألف مصنع فى القاهرة الجديدة ثم اختفى الحديث عن ذلك، كما صدرت تصريحات عن قيام وزارة الإنتاج الحربى بتطوير مصانع النصر للسيارات ولم يحدث شىء، وتمت الاستعانة بمكتب استشارى لوضع خطة لإعادة هيكلة مصانع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى ولم نر نتيجة ذلك، وهناك مشكلات المصانع المغلقة غير المعروف عددها ولم يتم وضع سياسة واضحة لعلاج هذه المشكلة، كما أن هناك شكاوى المتزايدة من أصحاب المصانع التى ما زالت تعمل على الرغم من المشكلات التى تواجهها بعد قرار التعويم وزيادة أسعار الكهرباء والغاز وعدم القدرة على التخطيط المستقبلى فى ظل عدم معرفة نسب الزيادات المتوقعة فى أسعار المحروقات، كما أن مصانع القطاع العام تعانى من عدم التطوير وكل ما يهم وزيرها الإعلان عن زيادة الايرادات والتى تأتى غالبا من زيادة الأسعار، وهكذا فى ظل هذا التدهور للقطاع الصناعى كيف يتحقق الإصلاح الاقتصادى؟

***

أما عن الزراعة فهى لا تحتاج إصلاحا بل ثورة، فأوضاعها تزداد تدهورا، لأن هناك هدرا مستمرا ومتزايدا للأرض الزراعية نتيجة البناء عليها وعدم قدرة الدولة على وقف هذه التعديات، ثم هناك عدم الالتزام بالمساحات التى تزرع بالأرز نظرا لما يستهلكه من مياه تزداد ندرتها، وهناك مشكلة النقص المتوقع فى مياه النيل نتيجة سد النهضة وعدم وجود خطة واقعية لمواجهة ذلك، وبعد التصريحات عن إصلاح 4 ملايين فدان تقلصت إلى 1,5 مليون فدان ثم دخلت الشركة التى أنشئت لإدارة هذه الأراضى فى مشكلات فى توزيع هذه الأراضى سواء على مستوى المساحات الصغيرة أو الكبيرة وهناك اعتراض أبناء النوبة على إدراج مساحات من هذه الأراضى ضمن أراضى المشروع، ونتيجة لذلك تتعدد مشكلات توفير السلع الزراعية وتزداد معاناة المزارعين دون وجود خطة حقيقية لهيكلة هذا القطاع، فمن أين يأتى الإصلاح الاقتصادى؟ 

الإصلاح الاقتصادى لن يتحقق إلا بقطاع صناعى قوى يتحقق فيه ما نسميه تعميق الصناعة وزيادة القيمة المضافة فيما يتم إنتاجه وليس مجرد تجميع لمكونات السلعة المستورد أجزاؤها من الخارج، فمتى يتوقف المسئولون عن إطلاق التصريحات التى لا تتحقق ومتى يدركون الأولويات المطلوبة للإصلاح؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved